للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بالنية موافقة للسنة».

أ - قوله: «ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل»، العمل شرط في صحة الإيمان، وهو الذي تظافرت عليه أقوال السلف، وسبق أن أوردت ما رواه اللالكائي عن البخاري، فكل من الاعتقاد والقول والعمل داخل في الإيمان، وقال الشارح أبو الحسن: قيل معناه لا يصح، ثم قال: "وقيل الكمال في كلامه على ظاهره"، والحق هو الأول كما علمت.

ب - وقوله: «ولا قول ولا عمل إلا بنية»، المراد بالنية هنا الإخلاص لله في العمل، ويقابله الرياء، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥]، وهي هنا أيضا القصد إلى العبادة، ولذلك يحمل نفي الكمال هنا على نفي الصحة، فيما كان من الأقوال والأعمال مشترطا فيه النية، وقد قال : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (١)، وهو في الصحيحين عن عمر، ومن تلك الأعمال طهارة الحدث، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والأضحية، ونحوها، والنية فيها إما لتمييزها عن العادة، كالذبح يكون للحم، ويكون للأضحية، وللعقيقة، والنذر، وإخراج المال يكون صدقة تطوع، ويكون زكاة واجبة، وإما لتمييز ذاتها عن غيرها، كوجوب نية الصلاة المعينة، وهي كونها ظهرا، أو عصرا، وأداء، أو قضاء.

ومن الأعمال ما لا تتوقف صحته على النية كرد الودائع، والمغصوبات، وتسديد الديون، وإخراج النفقات الواجبة للزوجة والأولاد والأبوين، فهذه ونحوها إذا فعلها المكلف برئت ذمته، لأن النية ليست شرطا في صحتها، وقد قالوا إنها ليس فيها أجر، إذا لم يستحضر فاعلها امتثال ما هو به مأمور، وفي هذا القول نظر.

وكذلك ترك المحرمات لا يؤجر التارك إلا إذا تركها امتثالا، فقد قالوا في تعريف المحرم إنه ما يعاقب على فعله، ويثاب على تركه امتثالا، قال صاحب المراقي:

وليس في الواجب من نوال … عند انتفاء قصد الامتثال

فيما له النية لا تشترط … وغير ما ذكرته فغلط


(١) متفق عليه: البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧) عن عمر بن الخطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>