عن الشارع فيه معيار فما جرت به العادة في كل بلد، كاللحم فإنه يوزن، لكن التمر يكال شرعا، فلا يباع بمثله وزنا، ولو كان الذي وضع المعيار هو السلطان، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وانظر ما قاله علي الصعيدي في حاشيته على شرح أبي الحسن (٢/ ٤٦١) بحثا من اعتماد ما وضعه السلطان، ولو خالف معيار الشرع، فإنه لا يقبل من قائله، فإن لم يكن العوضان مكيلين ولا موزونين كالبيض، فالمماثلة تكون بالتحري، ولو بيعت بيضة باثنتين، فإن عسر الوزن فيما اعتبر الشارع فيه المماثلة به كما في السفر، أو في البادية فإن المماثلة تكون بالتحري أيضا، إن لم يكثر المبيع جدا، لأنه حينئذ يعسر ذلك فيه ويكثر الخطأ، وعمدة القائلين بهذا أن الصحابة ﵃ كانوا يسافرون فكيف كانوا يتبايعون في البوادي وليس معهم موازين؟، أما ما يكال فإنه لا يتعذر في البادية ولا في السفر، إذ يجوز الكيل بغير المعهود كيفما كانت سعته فتتحقق المماثلة به.
وقد ذكر المؤلف الحبوب يعني ذات السنبل كالقمح والشعير والسلت، ومثل الحبوب القطنية بكسر القاف وتضم، وجمعها القطاني، ومن أمثلتها الفول والجلبان والحمص والعدس، وقوله وشبهها، يعني كالزبيب واللحم، والإدام كالسمن والعسل.
فإن قلت: من أين لأهل المذهب وغيرهم من القائسين إدخال هذه الأمور كلها في الربا والحال أن المنصوص عليه منها في الطعام ثلاثة، هي القمح والشعير والتمر، بالإضافة إلى الملح وهو مصلح للطعام؟، فالجواب: أن الناس اختلفوا هنا، فمنهم من أبى القياس رغم أنه من القائلين به لما رأى اتساع نطاق الاختلاف في علة المنع، وممن ذهبوا إلى قصر المنع على المذكورات طاوس وقتادة وعثمان البتي وأبو سليمان، ذكرهم ابن حزم في المحلى، وقال به ابن عقيل في آخر مصنفاته، ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين، وحكى عنه قوله:«لأن علل القائسين في مسألة الربا علل ضعيفة، وإذا لم تظهر فيه علة امتنع القياس»، انتهى.
ومنهم القاضي الباقلاني، قال ابن رشد في بداية المجتهد (٢/ ١٣١): «وأما القاضي الباقلاني فلما كان قياس الشبه عنده ضعيفا وكان قياس المعنى عنده أقوى منه؛ اعتبر في هذا الموضع قياس المعنى، إذا لم يتأت له قياس علة، فألحق الزبيب فقط بهذه الأصناف