ودليله ما رواه البخاري وأبو داود (١١٤٦) عن ابن عباس وقد سئل أشهدت العيد مع رسول الله ﷺ؟، قال نعم، ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر، فأتى رسول الله ﷺ العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، ثم خطب، ولم يذكر أذانا ولا إقامة،،، «الحديث، وروى أبو داود (١١٤٧) عن جابر بن سمرة قال: «صليت مع النبي ﷺ العيد غير مرة، ولا مرتين، بغير أذان ولا إقامة».
وقد كثر التنبيه من الصحابة وغيرهم من السلف على عدم مشروعية الأذان والإقامة في العيدين، ووصفه بعضهم بأنه بدعة، وذلك بعد أن أحدثتا في عهد بني أمية، كما قدمت الخطبة على الصلاة، وقد روى مسلم عن عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير أولَ ما بويع له:«أنه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر فلا تؤذن لها»، قال: فلم يؤذن لها ابن الزبير يومه، وأرسل إليه مع ذلك:«إنما الخطبة بعد الصلاة وإن ذلك كان يفعل»، قال: فصلى ابن الزبير قبل الخطبة».
وتقديم الخطبة على الصلاة كان قد حصل من عثمان بن عفان ﵁ أحيانا بعد سنوات من خلافته، قصد بذلك إدراك الناس الصلاة، فقدم الخطبة لما للناس من مصلحة في إدراكها، لا لما قدمها لأجله مروان بن الحكم، وهو استماعهم لخطبته، أو لأنهم كانوا ينصرفون بعد الصلاة لما في الخطب مما لا يرتضى، انظر الفتح (٢/ ٥٨٢)، فهذا اجتهاد من عثمان بعد كثرة الناس، نظير ما رآه من زيادة الأذان الأول يوم الجمعة، ومن ذلك إتمامه الصلاة بمنى على أحد الأقوال في تعليل ذلك، وهو على كل حال خليفة راشد بنص حديث النبي ﷺ، فضلا عن كونه عالما مجتهدا فيؤجر على اجتهاده، ولو لم يصب فيه.
وقد مشى الناس على الأذان والإقامة في العيد مدة من الزمان، ولعل مالكا قد أشار إلى ذلك بقوله الذي في الموطإ (٤٢٦): «إنه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن في عيد الفطر، ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمان رسول الله ﷺ إلى اليوم، وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا»، فلعل المدينة نجت مما حصل في غيرها من العراق والشام، وحري بها أن تنجو.