الفكرة بمعنى التفكر هي عبادة بذاتها ومراده التفكر في مخلوقاته، ومنها نفس الإنسان بالنظر فيها نظر اعتبار وتأمل، وفيما هي عليه من بديع الصنع وجمال المظهر والإتقان والانتظام، كل ذلك يقود إلى العلم بأن لها خالقا ومدبرا حكيما كامل القدرة، نافذ المشيئة، هو المستحق وحده لأن يعبد، ويخص بالخضوع والإجلال، وطلب النفع، ودفع الضر، فيقبل المرء على عبادته، ويرغب في الازدياد منها، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١)﴾ [آل عمران: ١٩٠]، وقد جاء مرفوعا:«ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها»، وقال تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠)﴾ [الذاريات: ١٩ - ٢٠]، وقال تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (٨٨)﴾ [النمل: ٨٨]، وكذلك التفكر في انقضاء الحياة، والانتقال إلى عالم الأموات، والقبر وما فيه من الفتن، والبعث والنشور، والحساب والعرض، والصراط، والحوض، ونعيم الجنة، وعذاب النار، مع الجهل بموعد انقضاء الأجل، كل ذلك يقود إلى التخفف من الدنيا، والزهد فيها، وإيثار الآخرة عليها، وترك الأسى على ما يفوت من أعراضها، واليقين بعدل الله متى فات المرء أن ينصفه الناس فيها، وأن ينال ما نالوه منها، فيكون هذا مقويا له وحافزا على الصبر والاحتمال والمضي في طريق الخير، ليقينه أن شيئا من حقه لا يفوته الفوات المطلق، بل ما عند الله خير للأبرار.