وقال الشيخ الطاهر بن عاشور في (كشف المغطى ص/ ٩٤): «رفع اليدين حذو المنكبين عند افتتاح الصلاة عمل يراد به إظهار تعظيم الله تعالى، المناسب لقول المصلي «الله أكبر»، وقد كان رفع اليدين علامة على الاستسلام والانقياد، لأن اليدين هما مسك آلة الحرب من سيف ورمح ونبل، فإذا استسلم الرجل ألقى سلاحه ورفع يديه،،، فمناسبته لافتتاح الصلاة أنه ألقى المعاصي، وأمور الدنيا المحضة، للإقبال على عبادة الله، ومناجاته عند القيام إلى الصلاة،،،».
لكن الشيخ الطاهر بن عاشور اعتمد تلك المناسبة التي رآها لرفع اليدين، فوجدها غير ملائمة تمام الملاءمة لما عدا افتتاح الصلاة، فذكر أن الإمام مالكا رجع إلى عدم استحباب رفع اليدين إلا عند تكبيرة الإحرام، وهذه دعوى لا أراها تثبت، ثم بين وجه هذه الرواية بقوله:«وأحسب أن وجهه الإجماع على أن رفع اليدين ليس من أركان الصلاة، ولا من مؤكداتها، فالمقدار المختلف في ثبوت سنته منه ينبغي أن يترك، لأنه متردد بين كونه مستحبا وبين كونه عملا زائدا في الصلاة، فأخذ بجانب تجنب الزيادة في الصلاة، والأمر هين»، انتهى.
قلت: لو ترك كل ما اختلف في سنيته في الصلاة أو في غيرها؛ لترك كثير من المطالب الشرعية، وقد علمت فيما تقدم أن الرفع في المواطن الثلاثة متواتر، فحق على من لم يعلم أن يرجع فيه إلى من علم، وتلك المناسبة التي أثبتها الشيخ للرفع أول الصلاة لا تتنافى مع تجديد الرفع في تلك المواطن، بل وفي كل خفض ورفع أحيانا، عند من ثبت عنده النقل.
وقد وقع هذا العالم في مجازفات في كتابه المذكور على ما للكتاب من أهمية، وكثير منها آيل إلى جريان الرجل في مسرح المناسبة وتشوفه إلى اقتناص حكم المشروعية والتعليل، ومن ذلك قوله في الوضوء من لحم الإبل وهو مذهب أحمد: «ومن أعجب العجب أن ذهب أحمد بن حنبل بأن الوضوء ينقض بأكل لحم البعير لشدة زهومته، سواء أكله نيئا أو مطبوخا، وأية مناسبة بين أكل اللحم بالفم، وبين غسل الرجلين، ومسح الرأس والأذنين يذهب إلى هذا عالم بعد أن انضبطت قواعد الفقه والأصول، ووجوه محامل