وقوله:«وأنزل عليه كتابه الحكيم، وشرح به دينه القويم، وهدى به الصراط المستقيم»، يعني أن الله تعالى شرح بسنة نبيه ﷺ الدين، إذ السنة ما ثبت عنه من قول وفعل وتقرير، والدين لا يؤخذ إلا من الكتاب والسنة.
والكتاب هو أصل الأصول، احتوى الدين كله تأصيلا أو تفصيلا، وكل ما عداه راجع إليه، والسنة بيان له، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)﴾ [النحل: ٨٩]، وقال: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾
[الإسراء: ٩].
وقد دلّ الكتاب على وجوب طاعة رسول الله ﷺ كما قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، ودل على أنه مبين للقرآن كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]، ودل على وجوب اتباعه فقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: ٧]، وعلى مطلوبية الاقتداء به قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [الأحزاب: ٢١]، وحذر من مخالفته فقال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)﴾ [النور: ٦٣]، ودل على ندم مخالفه يوم القيامة: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧)﴾ [الفرقان: ٢٧]، ونفى الإيمان عمن لم يحكم شريعته مع انتفاء الحرج عن نفسه فيما حكم به، مع كمال التسليم، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)﴾ [النساء: ٦٥]، ومعظم العبادات والأحكام لا تعرف تفاصيلها التي أجمع المسلمون عليها إلا من السنة، فمن زعم أنه مسلم باتباع القرآن وحده فقد كذب، لأنه قد خالف القرآن نفسه، وقد ظهر عندنا من يزعمون أنهم قرآنيون وهم كذبة أفاكون يرومون هدم الدين.