السلام إلى المأمومين بالإتمام فأتموا، ولم يكن منهم إنكار لما فعلت، فقد تعلموا من إمامهم هذا الحكم، فجزاه الله خيرا، ثم إني صليت العصر في مسجد آخر فقصرت كذلك، فاستغرب بعضهم ذلك، فحصل بعض اللغط، فسئل بعض أئمة مساجد المدينة أو افتعل السؤال، فأجاب ببطلان الصلاة لأن المسافة بين معسكر وبين عين الحجر ليست مسافة قصر كما زعم، مع أنها تزيد على الثمانين كيلومترا، والرجل المذكور يعلم الخلاف الواسع بين أهل العلم في مسافة القصر، وأن الذين قالوا إنها أربعة بُرُد اختلفوا في مقدار البريد بالسير، هل هو يوم أو يومان أو ثلاثة أيام، ثم اختلفوا في مقدار الميل بالذراع على أقوال، قال ابن رشد في المقدمات:«وقد اختلف في حد ما تقصر فيه الصلاة اختلافا كثيرا من مسافة ثلاثة أميال وهو مذهب أهل الظاهر إلى مسيرة ثلاثة أيام وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، والذي ذهب إليه مالك ﵀ أن الصلاة لا تقصر في أقل من مسيرة اليوم التام، واختلف في حده، فقيل ثمانية وأربعون ميلا، وقيل خمسة وأربعون ميلا، وقيل أربعون ميلا، فإن قصر فيما دون الثمانية والأربعين ميلا فلا إعادة عليه فيما بينه وبين الأربعين ميلا، فإن قصر فيما دون الأربعين فقيل يعيد في الوقت، وقيل لا إعادة عليه فيما بينه وبين ستة وثلاثين ميلا، فإن قصر فيما دون ستة وثلاثين ميلا أعاد في الوقت وبعده»، انتهى، والميل على الأصح من جملة أقوال هو ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع فتكون مسافة الميل بالمتر ألفا وسبعمائة، وتكون أدنى المسافة التي يقصر فيها وتصح الصلاة على ما ذكره ابن رشد كما علمت هي ٢، ٦١ كلم، أما المسافة القصوى على ما ذكره فهي ٦، ٨١ كلم، فكيف إذا حسبنا المسافة على أساس أن الميل هو ألفا ذراع وهو المشهور كما صرح به الدردير؟، إن المسافة الدنيا تكون حينئذ هي (٣٦) كلم، وتكون القصوى هي (٤٨) كلم، وهذا كله متى تقيدنا بالأقوال التي في مذهب مالك ﵀، ومن أدرى هذا المفتي أن الذي أبطل صلاته من متعصبة المذاهب حتى يحاكمه إليها وهو جاهل بما فيها؟، وقد صح الحديث بالقصر في ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال على الشك؟، وأنا أدين بالقصر في أقصى ما في الحديث، وهو ثلاثة فراسخ، وهو نفسه لم يكن كذلك إلى أن تغيرت الألوان وتبدلت الوسائل إلى المصالح، وصارت لعاعة الدنيا طعما تستمال به الضمائر الضعيفة، وتتبدل به