للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أصله، وهو كونه ماء مطلقا، وقد قال رسول الله : «إن الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» (١)، وإنما اقتصر المؤلف على ذكر اللون دون ما بعده؛ «لأن تغير الطعم والريح لا يوجدان غالبا إلا مع تغير اللون، بخلافه، فقد يتغير دون الطعم والريح»، هكذا قال الحافظ الغماري في مسالك الدلالة، وأنت خبير بأن الأمر لو كان كذلك، فاللائق أن يقول: «ولا بماء قد تغير طعمه أو ريحه»، لكونهما يلزم من تغيرهما تغير اللون غالبا، ولذلك فالأولى قول التتائي: «ولعل اقتصاره على اللون لاستلزامه تغير الريح والطعم غالبا».

واعلم أن ما ذكر من أن تغير الماء بطاهر يسلبه وصف الطهورية هو المشهور في المذهب، لكن قال ابن رشد في بداية المجتهد: «وقد روي عن مالك باعتبار الكثرة في المخالطة والقلة والفرق بينهما، فأجازه مع القلة وإن ظهرت الأوصاف، ولم يجزه مع الكثرة» انتهى، ومعنى هذه الرواية عن الإمام؛ أن الماء المضاف إذا بقي له هذا الاسم؛ فإنه لا يفقد الطهورية بما خالطه من الأعيان الطاهرة، وهو الذي يؤخذ من قول النبي لغاسلات بنته : «اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر،،، الحديث، وسيأتي، وهو قول ابن رشد، واختيار ابن تيمية وابن القيم وابن باز ، وقيل عن الحديث إنه يدل على أن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير، فلا يكون فيه بناء على هذا؛ حجة لما ذكر. وأمارات التعبد واضحة في غسل الميت، ومع ذلك فقد جاء ما يدل على الأمر المذكور في غير هذا الحديث إذ روى النسائي (١/ ٢٠٢) تحت ترجمة (الاغتسال في قصعة فيها أثر العجين) عن أم هانئ «أن رسول الله اغتسل هو وميمونة من إناء واحد من قصعة فيها أثر العجين»، وقد احتج به الحافظ في التلخيص الحبير.


(١) رواه ابن ماجة (٥٢١) عن أبي أمامة الباهلي، وفيه رشدين وهو ضعيف، لكن رواه بدون الاستثناء أبو داود (٦٦) والنسائي والترمذي (٦٦) وحسنه عن أبي سعيد، ولفظه: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، ومستند المستثنى الإجماع، كذا قالوا، وفي ثبوت هذا الإجماع نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>