للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما زال يمارسه ويدرسه بخلاف ما أخذ عنه في زمان محدود، أما ترجيح كثير من العلماء للمدونة أو غيرها على الموطإ فإن لذلك دوافع وأسبابا لا يتسع المقام لذكرها.

قال الباجي: «لم يدخل في الترجمة ما فيه قنوت على معتقده من القنوت في الصبح، بل أدخل فعل ابن عمر مخالفا لمعتقده»، انتهى.

قلت: كونه مخالفا لمعتقده محتاج إلى دليل فأين هو؟، ولم لا يكون هو معتقده الأخير؟.

وقال ابن عبد البر: «لم يذكر في رواية يحي غير ذلك، وفي أكثر الموطآت بعد حديث ابن عمر: «مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان لا يقنت في شيء من الصلاة ولا في الوتر، إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع في الركعة الأخيرة إذا قضى قراءته»، انتهى.

قلت: ومالك يقدم ابن عمر في الإئتساء على عروة كما هو معلوم، ومما يؤيد ما ذهبت إليه أن يحي بن يحي الليثي كان لا يرى القنوت في الصبح مخالفا لعلماء المذهب قاطبة، بل صرح بأنه بدعة كما في شرح زروق، وقد كنت أربط بين مذهبه هذا وبين ما في تلك الترجمة من الموطإ، ثم وقفت على كلام لابن ناجي يرى فيه هذا الربط، قال: «وقال يحي بن يحي لا يقنت، وإنما قال ذلك لما في الموطإ: «كان ابن عمر لا يقنت، قال بعض الشيوخ: واستمر العمل بعد ذلك في مسجد يحي بعد موته»، انتهى.

وقال ابن حزم في (المحلى المسألة ٤٥٩): «وكان يحي بن يحي الليثي، وبقي بن مخلد لا يريان القنوت، وعلى ذلك جرى أهل مسجديهما بقرطبة إلى الآن».

فإن قلت: فما العمل فيما إذا كان الإمام لا يرى القنوت وبعض من خلفه يراه، والحاكم يلزم الإمام به؟، فالجواب: أنه لا ينبغي التدخل في أمر العبادات، بحيث يرغم المرء على فعل ما لم يقتنع به منها، أو ترك ما يراه مشروعا مطلوبا منها، فإن حصل فقد علمت ميلي إلى أن مذهب مالك تركه، فمن اقتنع به فذاك، وإلا فإن القنوت عند أهل المذهب يكون قبل الركوع وبعده، فليطل الإمام القيام بعد الركوع، ويدعو بالدعاء الذي ثبت عن النبي أنه كان يقوله، ومن شاء من المصلين أن يدعو بدعاء القنوت المشهور

<<  <  ج: ص:  >  >>