للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا،، ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به»، وهو في الموطإ (١٣٨٩) مختصرا عن رافع بن خديج أن رسول الله نهى عن كراء المزارع، قال حنظلة فسألت رافع بن خديج بالذهب والوَرِق؟، فقال: أما بالذهب والوَرِق فلا بأس به»، وجاء هذا في الموطإ من قول سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، قال ابن شهاب: فقلت له: أرأيت الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج؟، فقال: أكثر رافع، ولو كان لي مزرعة أكريتها»، انتهى، فسالم لم يعلم بما ذهب إليه رافع من استثناء كراء الأرض بالذهب والفضة، وقد تقدم أنه روى عنه المنع مطلقا، فهذا إذا جمع بينه وبين حديث رافع الذي فيه النهي مطلقا كان القانون الأصولي قاضيا بحمل المطلق على المقيد فيجوزكراء الأرض بالذهب والفضة وهكذا كراؤها بشيء معلوم من العروض، لكن المذهب عدم جواز ذلك بالطعام مطلقا، أما كراؤها بما يخرج منها فممنوع لما فيه من الغرر، وإنما يجوز من ذلك المساقاة والمزارعة وهي رخصة كما سبق، أما الأحاديث التي لا يتأتى فيها هذا الجمع فإن ثبوت الإذن في إجارة الأرض يقضي بلزوم صرف النهي عن دلالته الأصلية التي هي التحريم إلى الكراهة، وقد بين ذلك العلامة الشوكاني في نيل الأوطار (٥/ ٧ - ١٨)، فانظره.

فإجارة الأرض للزراعة جائزة بشرط أن لا تكون مزروعة ولا مغروسة، وأن لا تؤجر بطعام كان مما يخرج منها أو لا، ولا بشيء يخرج منها طعاما كان أو غير طعام، وقد قال مالك يبين وجه الفرق بين المساقاة وتأجير الأرض: «وإنما فرق بين المساقاة في النخل والأرض البيضاء أن صاحب النخل لا يقدر أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحه، وصاحب الأرض يكريها وهي أرض بيضاء لا شيء فيها»، انتهى.

وجمهور أهل العلم على أن كراء الأرض لا يصح متى كانت مغروسة لأنه في معنى بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وقد جاء النهي عنه، بل فيه بيعها قبل وجودها، لأنه لا بد أن يكون لها حصة في مبلغ الأجرة، وقد جاء النهي عن بيع السنين، وهذا يشبهه، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن بيع ثمر النخل سنين لا يجوز، وبين أنه إن أكراه أرضا مغروسة فهذا كأنه باعه الثمر، ومع هذا قال الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢٩/ ٥٥) بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>