١٨ - «ومن حرم على نفسه شيئا مما أحل الله له؛ فلا شيء عليه، إلا في زوجته، فإنها تحرم عليه إلا بعد زوج».
لا يجوز للمرء أن يحرم شيئا مما أحل الله تعالى ورسوله، ولا أن يحلل شيئا مما حرم الله ورسوله، فإن فعل شيئا من ذلك بالقول؛ فهو معصية، وإن كان بالاعتقاد لما هو معلوم الحرمة بالضرورة؛ فهو كفر، فإن التحليل والتحريم لله تعالى وحده، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦)﴾ [النحل: ١١٦]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)﴾ [المائدة: ٨٧]، وكذلك لا يجوز للمسلم أن يلتزم تحريم شيء مما أحله الله له بالقسم، فإن فعل ففيه كفارة يمين، لأنه أقسم على فعل معصية، وإن كان بغير قسم؛ فهو لغو لا شيء فيه، إلا الزوجة فإنها تحرم عليه بذلك إلا بعد زوج، إن لم يكن قد دخل بها، فإن كان قد دخل بها ونوى أقل من الثلاث؛ لزمه ما نوى، وهكذا الأَمَة، فإنها متى حرمها، ونوى بالتحريم العتق؛ عتقت عليه، ولا يطؤها إلا بعقد نكاح، لأن تحريمها يتنافى مع ملك اليمين الذي يباح له به وطؤها، قالوا فإن لم ينو العتق بالتحريم؛ فذلك لغو، وإنما استُثنيت الزوجة من تحريم الحلال؛ لأن في إمكان المرء تحريمها بالطلاق والظهار والإيلاء، بخلاف غيرها مما أحل الله، فلا يؤثر ذلك شيئا فيه، ومشهور المذهب أن من قال لزوجته أنت علي حرام، أو أنت حرام، أو أنا منك حرام؛ أنها تحرم عليه إلا بعد زوج، لأن هذا اللفظ إنما يصدق تمام الصدق بالطلاق البائن، فحملوه على أكبر ما يحتمله من المعاني، والموضع اللائق للكلام على هذا الأمر هو كتاب النكاح وتوابعه.