مما يجب على الزوج لزوجته إسكانها، فإذا طلقها بعد الدخول؛ استمر ذلك الواجب عقب الطلاق مدة العدة، ولو كان الطلاق بائنا، أو كانت الزوجة مخالعة، أو حبست باغتصاب، أو فسخ النكاح الفاسد لقرابة، أو رضاع، أو صهر، أو لعان، لأنها محبوسة عن الزواج بسببه، هكذا قالوا، ودليل وجوب السكنى قول الله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (٦)﴾ [الطلاق: ٦]، أما إن طلقها قبل الدخول؛ فلا يجب عليه إسكانها، لأنها لا عدة عليها، فمدار وجوب السكنى على الزوج وجوب العدة، باستثناء المطلقة ثلاثا عندهم، لكن ينبغي أن تعلم أن آية الأمر بإسكان الزوجات إنما وردت في سياق ذكر المطلقات الرجعيات، فيظهر أن المطلقة ثلاثا ليس لها سكنى ولا نفقة، وقياس الملاعنة عليها متجه قوي، بل هو قياس أولوي، ويذكر هنا حديث فاطمة بنت قيس -رضي الله تعالى عنها- قالت قال رسول الله ﷺ:«المطلقة ثلاثا ليس لها سكنى ولا نفقة»، رواه النسائي، وهو في صحيح الجامع، وهو بعمومه أقوى دلالة مما في صحيح مسلم من قول النبي ﷺ لها:«لا نفقة لك ولا سكنى»، والمسألة من أعظم مسائل العلم التي يتبين بها الأخذ بالخبر عن النبي ﷺ متى صح من غير نظر إلى راويه ومخالفه، وحسبك من ذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يرى لها النفقة والسكنى.
قال القرطبي في التفسير (١٨/ ١٦٧): «وعن الشعبي قال لقيني الأسود بن يزيد فقال: يا شعبي اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس، فإن عمر كان يجعل لها النفقة والسكنى، قلت: لا أرجع عن شيء حدثتني به فاطمة بنت قيس عن رسول الله ﷺ، قال