السنة، كقوله:«وإذا أكلت أو شربت فواجب عليك أن تقول بسم الله»، وليس ببعيد أن يكون مراده في بعض المواضع أن هذا الأمر واجب بالسنة، فهو يختلف عما هو وجب بالقرآن، لأن السنة قد تثبت عند بعض، ولا تثبت عند آخرين، أو تكون معارضة بمثلها، أو بأمر آخر يراه العالم كما لا يخفى على البصير، فاضطر لهذا إلى التنبيه، لكن الذين عرفوا بهذا التفريق إنما هم الحنفية، وهم محقون بهذا الاعتبار الذي ألمحت إليه لا من جهة اختلاف حكم القرآن عن السنة من حيث هو، فإن ما حرم رسول الله ﷺ مثل ما حرم الله، وهكذا ما أوجب أو أباح، ويحتمل أنه استعمل مصطلح الوجوب مقيدا بالسنة إشارة إلى المذهب الذي فيه كتابه هذا، وغير مقيد بها لقوة الخلاف في المسألة.
قال المقري ﵀ في القاعدة الأربعين بعد المائة:«يطلق الواجب على السنة المؤكدة مجازا، فمن ثم التزم تقييده، كقول ابن أبي زيد وجوب السنن المؤكدة، وإن كان قد تؤول على الوجوب بالسنة، وعليه يصح نسبة ابن الحاجب الوجوب إلى الرسالة، أو إبهامه كقوله قبله: وطهارة البقعة للصلاة واجبة، ثم فصل، أو خلطه بما يغلب عليه كقوله: ويجب الطهر مما ذكرنا، فأما قوله: ودم الاستحاضة فيجب منه الوضوء، فهو قول ابن عبد الحكم».
[رابعا: شروح الرسالة]
ولما لرسالة ابن أبي زيد من مكانة خاصة باعتبارها أول مصنف فقهي يظهر في الفقه المالكي مع أن عرضها له من أحسن العروض وأوضحها؛ كان اهتمام العلماء بها كبيرا، فكثرت شروحهم عليها، وتعاليقهم على الشروح، والتقييدات والطرر التي نقلها تلاميذهم، أو كتبوها بأنفسهم، حتى ذكر بعض الشراح أنها منذ وجدت إلى الآن (القرن التاسع) يخرج لها في كل سنة شرح وتبيان، وقد اقتصر بعضهم على شرح صدرها أو عقيدتها، وبعضهم نظم عقيدتها، ومنهم من اعتنى بمشكلها، وبعضهم شرح غريب مفرداتها، وقد شرحها أكثر من واحد في حياة مؤلفها، وأذكر هاهنا بعض من شرحها أو كتب شيئا عليها، أو نبه على التحريف الذي ألحقه بعضهم بها، ومرجعي فيما ذكرت كتب التراجم، ولا سيما شجرة النور الزكية، والديباج المذهب، ثم تأريخ التراث العربي لفؤاد