وأخبر أنه سمع خشخشة بلال في الجنة، ورأى النار وهو في صلاة الكسوف، وتحدث عن قطف العنب الذي رآه فيها، وأنه لو تناوله لكفى أهل الأرض، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥)﴾ [النجم: ١٣ - ١٥]، كما أخبر الله تعالى أن آدم وزوجه قد سكنا الجنة إذ أمرهما بذلك، وكيف يسكن غير الموجود؟، قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥].
وقد زعم قوم أن الجنة والنار لم تخلقا بعد قائلين إن وجودهما عبث لعدم الحاجة إليهما، والصواب: أنهما موجودتان للأدلة المتقدمة، ومن فوائد وجودهما أن المؤمن يتمتع بالنظر إلى مقامه في الجنة قبل أن يدخلها، وأن الكافر يتألم بالنظر إلى مقامه في النار كذلك، ولذلك والله أعلم قد جاء في كتاب الله ما قد يؤخذ منه دخول بعض الكفار النار بمجرد موتهم، كما قال تعالى عن قوم نوح ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ [نوح: ٢٥]، فهذا لأنهم يعذبون برؤية مقاعدهم منها، فكأنه دخول، والتعقيب بالفاء يناسبه هذا المعنى، كما قال تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)﴾ [غافر: ٤٦]، وقد قيل إنهم عذبوا بالنار مع الغرق في الدنيا في حالة واحدة، كانوا يغرقون في جانب، ويحترقون في الماء من جانب، وقد نسب إلى الضحاك، وفاء التعقيب تؤيده مع حقيقة الدخول، أو المراد عذاب القبر، وقد قيل:
الخلق مجتمع طورا ومفترق … والحادثات فنون ذات أطوار
لا تعجبن لأضداد إن اجتمعت … فالله يجمع بين الماء والنار
وقد أشار المؤلف إلى أن الجنة التي يدخلها الموحدون هي التي سكنها آدم وزوجه بأمر من الله تعالى، ثم هبطا إلى الأرض بعد ما أكلا من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها، وهو مصير منه ﵀ إلى رد قول من قال إنها جنة في الدنيا، وللفريقين أدلتهما، وكل منهما استشكل قول الآخر.
وقد استعرض ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه مفتاح دار السعادة أدلة الفريقين وحججهما، ولم يرجح قولا من القولين، لكنه في بعض ما نظم مال إلى القول بأنها هي جنة