المشهور في المذهب، وقيده ابن عبد البر بما إذا لم يكن البعد كثيرا كالأندلس من خراسان، وهذا القيد ليس لعدم بلوغ الخبر فيما يظهر، لأن أقصى موضع يمكن بلوغ الخبر له يومئذ لا يتعدى (١/ ٦٠) من هذه المسافة، والأمر الآن مختلف، فقد يسر الله تعالى من الوسائل ما يجعل الخبر يصل في ثوان، وروى المدنيون عن مالك وهو قول ابن الماجشون وغيره أن الرؤية لا تلزم غير أهل البلد الذي وقعت فيه، وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد، فمتى كان أهل البلد مستندهم الرؤية، فإن الخير للناس موافقة أهل بلدهم، لما في المخالفة من الفتنة والتفرقة، ولقول النبي ﷺ:«الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون»، رواه الترمذي (٦٩٧) وحسنه، وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة، وهو في سنن أبي داود (٢٣٢٤) مع فقرات أخرى تتعلق بالمناسك، قال الترمذي:«وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا؛ أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس»، وهذا الحديث يرد كل التقولات من نوع: قرر الفلكيون أن الهلال لا يرى، أو ما يقوله بعضهم إن الهلال كبير، أو الشهر ناقص، ونحو ذلك من القيل والقال، ومثله في هذا المعنى قول النبي ﷺ:«شهران لا ينقصان شهرا عيد: رمضان وذو الحجة»، رواه الشيخان وأصحاب السنن عن أبي بكرة، لا ينقصان في الأجر ولو كانا تسعا وعشرين، وقيل لا ينقصان عن ثلاثين يوما والحس يرده، وينصح من صام مستنندا إلى رؤية بلد آخر أن لا يجاهر بذلك.
وقد جاء أن من علامات الساعة انتفاخ الأهلّة، وابقاؤه على الظاهر هو الحق، وتأويله على معنى آلات التقريب والتكبير ممكن، والله أعلم.
وقد تسمع من يقول: كيف لا يتفق المسلمون على بدايات الشهور، وأعداؤهم يسخرون منهم، والجواب أن هذا الاختلاف لا يضر المسلمين لو استقامت أمورهم الأخرى على منهاج الله، كما لم يضر ذلك سلفَهم الصالح، وقد كانت خلافتهم الجامعة لهم قائمة، ومتى كان أعداؤنا حريصين على ما فيه خيرنا، وكتاب الله بين أيدينا يخبرنا ببغضهم لنا، وانطواء صدورهم على كراهيتنا، واستمرارهم على مقاتلتنا ليردونا إن استطاعوا عن ديننا؟.