للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلده؛ خير له من أن يجلس على قبر»، والأحاديث ورواياتها يكمل بعضها بعضا، ويفسر بعضها بعضا.

قال الشيخ الطاهر بن عاشور في كشف المغطى محتجا لما حمل مالك عليه الحديث: «ووجه هذا المحمل أن الشريعة منزهة عن كراهة أو تحريم شيء في حق الميت يجوز مثله في حق الحي، فإن القبر بيت الميت، ولا مانع من القعود على سطح بيت أحد، أو على سرير فوق سريره كبيوت المدارس، وفرش مراكب البحر، فتعين تأويل اللفظ على محمل صحيح فصيح الاستعمال،،،»، والتأصيل الذي ذكره ليس صحيحا، لا سيما وقد ادعى تنزيه الشريعة عن الكراهة والتحريم معا لما يفعل بالحي أن يفعل بالميت، وهذا عجيب غريب، وما ذا يقول عن البناء على القبر؟، وهو مشروع للحي، وما ذا يقول عن الصلاة إلى القبر، وقد صح النهي عنها؟، وقد كان النبي يصلي وعائشة ممدودة أمامه، والأحياء يسكن منهم أكثر من واحد في بيت، ودفن أكثر من واحد قي قبر واحد مقصور على حال الشدة والضرورة، والأحياء يقصون شواربهم ويقلمون أظفارهم، ويمشطون شعورهم ويضفرونها، وكل ذلك مكروه في المذهب فعله بالميت، وبعضه بدعة فيه كما هو في مختصر خليل، وقد تقدم الكلام عليه، ثم يقال إن من منع من القعود على سطح بيته فلا يجوز القعود عليه، والميت ليس له من يمنع ذلك عنه، فتولى الشارع المنع إكراما له، وذودا عنه أن يهان، نظيره أنه أوجب على المتوفى عنها عدة الوفاة، وما ذكره من بيوت المدارس وفرش مراكب البحر، معاملة حي لمثله، وهذا حي مع ميت، فليس صحيحا في القياس لو لم يكن القياس من أصله فاسد الاعتبار فكيف وهو كذلك؟، ثم أقول إن قضاء الحاجة على القبر تنفر منها الطباع السليمة وتستبشعها فتأوبل الحديث بها كالتعطيل له، والله أعلم.

وإنما أطلت الكلام في القعود على القبر لأني رأيت كثيرا من الناس عندنا يفعلون ذلك، بل رأيت بعضهم يبني مقعدا من رخام ليجلس عليه إذا جاء يزور القبر، وموضع جلوسه فوق الميت لأن صورة القبر في حال اللحد لا يوجد الميت فيها، ولذلك رأيت الشق في بلدنا أولى لهذه العلة، وللمشي بين القبور بالنعال، وهو منهي عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>