ليبيعه، فينفع الناس، فأصل التجارة الجلب، والمحتكر الذي يحتبس السلعة التي يحتاج إليها ليحصل على سعر أعلى.
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧]، وقد فسر مجاهد الكسب بالتجارة، والصناعة داخلة في عمومه، وأمرنا أن ننفق من الكسب الطيب، وقال النبي ﷺ:«أحب البقاع إلى الله المساجد وشرها الأسواق»، رواه أحمد والبزار عن جبير بن مطعم، وحسنه الحافظ في الفتح (٤/ ٤٢٩)، ورواه مسلم عن أبي هريرة نحوه، قال ابن بطال كما في فتح الباري:«وهذا خرج على الغالب، وإلا فرب سوق يذكر فيها الله أكثر من كثير من المساجد»، انتهى.
قلت: وهذا قد يوجد، لكن المسجد مفضل لذاته، ووجود المعصية فيه والمخالفة لا يجرده من هذا الفضل، ومع كون الأسواق شر البقاع فقد أخبر الله تعالى أن الرسل يمشون فيها ردا على الكفار الذين استغربوا ذلك من رسول الله ﷺ، فبين الله تعالى أن ذلك شأن الرسل قاطبة قال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٢٠]، وذلك لما لهم فيها من المصالح والمنافع، كما أن لغيرهم منفعة إذا رأوهم ذكروهم ما نسوه، كما قال النبي ﷺ:«أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله»، فالعلماء والصالحون قد يغشون المواضع الممقوتة لمصلحة الخلق، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتعلم الناس منهم حين يشترون، ولذلك كان في الذكر في السوق أجر عظيم كما قال النبي ﷺ:«من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتا في الجنة»، رواه الترمذي (٣٤٢٩) عن عمر ﵁.
وقال النبي ﷺ:«ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده»، رواه أحمد والبخاري (٢٠٧٢) عن المقدام ﵁، وجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ﵁ بلفظ الحصر، قال:«كان لا يأكل إلا من عمل يده»، وإنما خص النبي ﷺ داود ﵇ بالذكر في بيان فضل الأكل من عمل اليد لأنه كان