للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قد تقدم ذكر من ذهب إلى إنكار القياس هنا من غير الظاهرية، أما أن الشارع اعتبر العدد جزء علة فليس صحيحا إذا كان المعتمد هو النص الذي ذكره الشوكاني، فإن المقصود من ذكر العدد في النهي عن بيع الدرهم والدينار بالدرهمين والدينارين أن الزيادة التي تأتى في المسكوك تكون كذلك غالبا، وهذا لا يعني أن بيع الدينار بما قل عن الدينارين جائز مباح، فمفهوم هذا العدد مهجور بالاتفاق لمجيء النهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل سواء بسواء، ومثله النهي عن بيع التمر بالتمر متفاضلا، فإن في بعض الأحاديث: «لا صاعين بصاع»، وهو في الصحيح عن أبي سعيد، وقد يكون ظاهر كلام الشوكاني غير مراد منه التعليل به، وانظر السيل الجرار (٣/ ٦٥)، لكن العدد الذي يتحقق به التماثل الآن في استبدال العملة الواحدة بعضها ببعض: معدن بمعدن، وورق بمثله، وورق بمعدن، فلا يجوز التفاضل ولو كان العوضان مختلفين بالمعدنية والورقية، وقد ذهب بعضهم إلى جوازه وفيه نظر، والذي يجري بين الناس وهم يسمونه صرفا لا يعتبر بيعا في العرف، واسم الصرف الذي يطلق عليه لا يجعله ملحقا بحكمه الذي عوضاه يومئذ الذهب والفضة، والله أعلم.

وإذا علمت هذا الخلاف الواسع في التعليل وتراجع كثير من القائلين بالقياس عن القول به هنا علمت أنه ليس من المُسَلَّمِ القول بمنع بيع الذهب والفضة بالعملات المعاصرة نسيئة كما عليه معظم أهل العلم المعاصرين.

لا يخفى عنك أنه قد جد في مسألة النقود ما ينبغي أن يتحدث عنه في هذا المقام، وهو العملات المعاصرة التي تنفرد بها كل دولة كالدينار الجزائري والريال السعودي والدولار الأمريكي، فما علاقتها بالذهب والفضة الممنوع التفاضل فيهما داخل الجنس الواحد، والممنوع في بيعهما النّسَاءُ اتحد الجنس أو اختلف؟، ومن عجب أن بعض من كتب في هذه المسألة لا يعرج على حكم بيع الذهب والفضة بالعملات المعاصرة، فإن فعل اختصر الكلام اختصارا، مع قيام حاجة الناس إليه اليوم، وكل من رأيته يمنع بيع الذهب والفضة بالعملات المعاصرة إلى أجل يستدل على المنع بقول النبي في نهاية حديث عبادة المتقدم: «فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد»، وقد نقل

<<  <  ج: ص:  >  >>