للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللشركة أركان ثلاثة هي العاقدان، والصيغة، والمحل، ويشترط في العاقدين أن يصلح كل منهما للوكالة بطرفيها، أي أن يكون وكيلا وموكلا، ووجه ذلك أن الشركة تتضمن الوكالة، فلا بد أن يتوفر في عاقدها ما ينبغي توفره في الوكالة، ومن ثم فلا تصح مشاركة العبد غير المأذون له، ولا المحجور عليه، ولا الصبي، والمراد بالصيغة ما يحصل به الإذن في التصرف من كلام أو غيره كالكتابة وخلط الأموال مع العمل، والمحل هو ما يقع الاشتراك فيه من مال وأعمال.

واعلم أن كثيرا من الشراح يذكرون أقسام الشركة ولا يبينون الاعتبار الذي وضعوه في التقسيم، فيقع الاضطراب فيه والتداخل، ولهذا فلا بأس بذكر ما اصطلحوا عليه لما فيه من الضبط والتحديد، والاصطلاح لا يضر بالفقه، بل هو معين على الفهم والتدقيق بشرط أن لا نتواضع على شيء من تلك الاصطلاحات ثم نلجأ إليها ونتعامل بها فتغدو بديلا عن الأدلة التي هي الأساس في استنباط الأحكام الشرعية، هذا شأن اصطلاحات العلوم كلها حاشا ما كان منها بمضمونه كلا أو بعضا مزاحما للشرع فلا يقر، ومما لا يقر لفظ التصوف فلا يقبل لفظه ولا محتواه، لأن محتواه إن كان مشروعا فقد أغنانا الله عنه بإتمامه دينه ورضاه لنا، وتسميته إحسانا وهو المعلم الثالث من معالم الإسلام، وإن كان مخالفا للشرع فمن من المسلمين يقبله؟، ثم أقول مع هذا إن تقيسمات الشركة التي وضعها العلماء قليلة الجدوى، وإنما ذكرناها ليعلم قارئ تلك الشروح معناها، وليراجع هنا كلام الشوكاني في السيل الجرار في غير موضع من أبواب البيع والإجارة والشركة، ومنه (٣/ ٢٤٦ - ٢٤٨)، وإنكاره بعض هذا التقسيم.

فالشركة تنقسم باعتبار ما يقع الاشتراك فيه إلى شركة أموال، وشركة أعمال، وشركة ذمم، وشركة وجوه، ولما كان المؤلف قد ذكر شركة الأموال والأعمال فلنبين مرادهم بالنوعين الآخرين.

فأما شركة الوجوه فوجه تسميتها كذلك أن الباعث عليها الوجه، بأن يبيع الوجيه الذي له ذِكْرٌ في الناس مال الخامل ببعض ربحه، والخامل هو الذي لا يُشترى منه للظن بأن ما يبيعه ليس بجيد، وهي فاسدة لا تجوز لما فيها من الغرر والتدليس على الناس، فإنها

<<  <  ج: ص:  >  >>