للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتقاد أنها تعمل بمعزل عن مشيئة الله ممنوع.

٧ - وما ورد في الكتاب والسنة من النصوص التي قد يفهم منها خلاف هذا ينبغي إرجاعها إلى المحكم من القرآن ومن السنة، فمثلا قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)[الرعد: ٣٨ - ٣٩]، قال العلماء في تفسيره إن المراد بالمحو إما نسخ بعض الشرائع المتأخرة للمتقدمة، والسياق يدل على هذا التفسير، وإما أنه محو باعتبار ما يطلع الله عليه ملائكته الذين كلفهم ببعض شؤون خلقه، وهكذا الزيادة في العمر وفي الرزق بصلة الرحم، ورد القضاء بالدعاء ونحو ذلك.

٨ - ومع كون الله تعالى قدر كل ما هو كائن فلا يجوز الاحتجاج بذلك على المعصية، بأن يقال إن الله تعالى كتب علي ما عصيته به، فإن هذا لو ساغ لارتفع التكليف رأسا، وبطلت الشرائع، وقد وصف الله المشركين بهذا فقال تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨]، فقرعهم على زعمهم هذا، واعتبر قولهم تكذيبا للرسل، لأنه مفض إلى التفصي من الشرائع جملة، وأنه ناتج عن جهلهم، واعتمادهم على الظنون لا غير، ولهذا قال تعالى بعده: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، والملاحظ أن هذا جاء بعد قوله سبحانه الذي أثبت فيه عموم مشيئته فقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١٣٧]، وذلك نظير ما في الآيتين الأخيرتين من سورة التكوير، حيث جمع الله تعالى بين إثبات المشيئة للناس في الاستقامة، وبين نفي أن يكون ما يشاؤونه خارجا عما شاءه الله تعالى، ومن الآيات التي فيها رد مزاعم المحتجين بمشيئة الله تعالى على المعاصي قوله سبحانه: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٢٠)[الزخرف: ٢٠].

لكن من تاب من معصيته وأناب، إن احتج بالقدر ساغ له الاحتجاج، فإن موسى لما قال لآدم : «أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة»، قال له آدم: «أنت موسى

<<  <  ج: ص:  >  >>