٢٢ - «والموهوب للعوض إما أثاب القيمة أو رد الهبة، فإن فاتت فعليه قيمتها، وذلك إذا كان يرى أنه أراد الثواب من الموهوب له».
هذا هو النوع الثاني من الهبة وهو المسمى هبة الثواب، أي الهبة التي يقصد بها الواهب أن يحصل على العوض من الموهوب له، وهي قسمان: ما صرح فيه بذلك، وما لم يصرح فيه به فيعرف بالقرائن، قالوا ومن القرائن أن يهب الفقيُر للغني، والخادم للمخدوم، فإن لم يعرف وادعى الواهب أنه إنما وهب لأجل العوض كان المرجع هو عرف الناس، وهذا مراد المؤلف بقوله:«إذا كان يرى أنه أراد الثواب من الموهوب له»، وبهذا يظهر لك أن هبة الثواب عقد معاوضة بعوض مجهول، وهذا هو الواقع الغالب فيها، وقد لا يكون العوض مجهولا بأن يسميه الواهب ويشترطه، فإذا لم تقبض جاز الرجوع فيها، وإن قبضها تعين على الموهوب له أحد أمرين: إما أن يثيب عليها قيمتها، أو يرد عينها، فإن فاتت بزيادة أو نقصان فعليه قيمتها يوم قبضها.
وقد استدلوا على مشروعية هبة الثواب بحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت:«كان النبي ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها»، وقد تقدم، وهذا ليس نصا بل ولا ظاهرا فيما استدلوا به عليه، فإن فعله ﷺ يدل على الاستحباب، واستحباب التهادي قد مر دليله، ثم من أين أخذوا أن الذين أهدوا إليه كانوا يريدون المكافأة؟، ومما استدلوا به قول الله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)﴾ [الروم: ٣٩].
قال ابن كثير ﵀: «من أعطى عطية يريد أن يرد الناس عليه أكثر مما أهدى لهم، فهذا لا ثواب له عند الله، بهذا فسره ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب والشعبي، وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه، إلا أنه قد نُهِيَ عنه رسول الله