الاعتماد على حديث أنس عند مسلم وسيأتي ذكره، إذا لم يعتمد العرف أو اختلف فيه، والله أعلم.
قال ابن العربي في) العارضة ٣/ ٢٣ (مبينا وجه اعتماد فعل ابن عمر في مسافة القصر:«ألا ترى إلى اضطراب المالكية في هذه المسألة: «في العتبية يقصر في خمسة وأربعين ميلا، وفي المبسوط في أربعين، وقال أيضا في العتبية في ستة وثلاثين ميلا، وفي الموطإ في أربع فراسخ، وهذا كله تحكم على التفصيل الذي نهينا عنه، وهذا مالك على جلالة قدره يقول في يوم، وفي قول يومان، ويمكن الجمع بينهما، فإن اليوم التام الجاد يومان في العادة والرفق، ولما لم يكن في ذلك معنى يعول عليه؛ لجأنا إلى فعل ابن عمر لعظيم اقتدائه وكثرة تحريه».
وقد تبيّن لك أن ما ذكر من مسافة القصر تقريب لا تحديد، سواء في مقدار البريد نفسه، أو في مقدار ما فيه من الأميال، أو في مقدار الميل من الأذرع، والأذرع تتفاوت بحسب الناس، وقد ذكر بعض أهل العلم أن الذراع ستة وثلاثون أصبعا، وذكر النووي أنه أربعة وعشرون، وقد تكون الأصابع مكتنزة والذراع قصيرا، فتقل الأصابع، وقد قسته فوجدته كالأول بذراعي، فيكون الذراع نصف متر تقريبا، ونظرا لهذا الأمر؛ رأوا أن من قصر الصلاة في خمسة وثلاثين ميلا أعاد أبدا، وإن قصر فيما زاد عليه قالوا بعدم الإعادة في بعضها، وترددوا في بعضها، مما يؤكد لك أن الأمر تقريب، وأن الرأي قد استأثر بالكثير من مباحث هذا الباب، وليس في القصر في أربعة برد سوى آثار عن بعض الصحابة كما تقدم، فأما قول النبي ﷺ:«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذي محرم»، وجاء التحديد في بعض الروايات بيوم وليلة، وببريد، وجاء مطلقا، فهذا ليس فيه حجة على عدم القصر فيما كان دون ذلك.
قال الشوكاني ﵀ في شرح الدرر البهية رادا على من استدل بالحديث المتقدم:«فإن قلت: محل الدليل في نهي المرأة عن السفر تلك المسافة بدون محرم؛ هو كونه ﷺ سمى ذلك سفرا، قلت: تسميته سفرا؛ لا تنافي تسمية ما دونه سفرا».
وأقوى ما يستدل به في مسافة القصر: ما رواه مسلم عن يحي بن زيد الهنائي قال،