عباس عن الآية المنسوخة:«كتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، ثم نزلت ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾، فكتب أن لا يفر مائة من مائتين، وهكذا قوله: «شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف»، قال الحافظ في الفتح (٨/ ٣٩٥) موجها كون الآية المراد بها الأمر وليس مجرد الخبر، يعني أن معناها الأمر بثبات الواحد للآيتين:«والسياق وإن كان بلفظ الخبر، لكن المراد منه الأمر لأمرين: أحدهما أنه لو كان خبرا محضا؛ للزم وقوع خلاف المخبر به، وهو محال، والثاني لقرينة التخفيف، فإنه لا يقع إلا بعد التكليف، والمراد هنا التكليف بالأخف، لا رفع الحكم أصلا»، انتهى
وفي شرط العدد رواية أخرى عن الإمام، وهي لابن الماجشون مفادها أن العبرة في وجوب الثبات وعدم الفرار القوة لا العدد، فيجب على المسلمين أن يثبتوا ولو كان عددهم أقل من نصف عدد الكفار إذا كانوا أقوى منهم عدة وجلدا، كما لا يلزمهم أن يثبتوا وإن كانوا أكثر من نصف عدد الكفار إذا كان الكفار أقوى منهم سلاحا وأكثر قوة وجلدا، وخافوا أن يغلبوهم، ومرد هذه الرواية إلى قول الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾، وإذا كان هذا في ترك الثبات أمام الكفار حماية لأرواح المسلمين؛ فكيف بالتسبب في تحريكهم لقتلهم وتخريب ديارهم وممتلكاتهم ثم التطلع إلى المتمالئين معهم بل وإلى مناصريهم لتعمير ما خرب وإطعام الجائع وكسوة العاري ومداواة الجريح، وعقد اللقاءات للدول المانحة المتبرعة لأجل ذلك؟، وقد قيل لمالك يا أبا عبد الله أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام الله ﷿ وحكم بغيرها؟، فقال:«الأمر في ذلك إلى الكثرة والقلة»، انتهى، قال أبو عمر بن عبد البر معقبا على هذاالقول كما في الكافي ص (٢٠٦): «جواب مالك هذا وإن كان في جهاد غير المشركين، فإنه يشمل المشركين، ويجمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأنه يقول من علم أنه إذا بارز العدو قتلوه ولم ينل منهم شيئا جاز له الانصراف عنهم إلى فئة من المسلمين، ولم يجز له إباحة دمه لمن لم يقو عليه ويمكنه، ولا ينفع المسلمين بما يحاوله»، انتهى.
قلت: فكيف إذا كان ذلك ليس قتالا أصلا، ولا نقول لا نفع فيه للمسلمين، بل فيه جلب أعظم الضرر عليهم كما ترى في هذا الزمان؟، والظاهر أن هذه الرواية هي التي ينبغي