٢٧ - «ومن حبس دارا فهي على ما جعلها عليه إن حيزت قبل موته».
الحبس مصدر حبسته أحبسه من باب ضرب بمعنى وقفته فهو حبيس، والجمع حبُس بضم الباء كبريد وبرد، وتسكين الباء للتخفيف لغة، ويقال أيضا حبسته تحبيسا، ويسمى الحبس وقفا من وقف الشيء يقفه، واستعمال الرباعي منه وهو أوقف لغة ضعيفة، والمراد هنا: وَقْفُ العين وتسبيل المنافع على وجه التأبيد، فخرج إعطاء الذات، وقيد التأبيد في التعريف وهو أغلبي تخرج به العارية، فإن إعطاء منفعتها مؤقت، وإنما قلت أغلبي لأن تحبيس المنفعة في المذهب لا يشترط فيه التأبيد ولا التنجيز، وبناء عليه قد يجتمع الوقف مع العارية في الصورة، والوقف داخل في الصدقات، غير أن الموقوف عليه فردا كان أو جهة لا يتصرف في العين، وإنما يملك المنفعة، وهو مما اختص به المسلمون، وقد قال الشافعي ﵀: إن الجاهلية لم تحبس فيما علمت، وإنما حبس أهل الإسلام.
وقد روى البخاري (٢٧٣٧) ومسلم وأصحاب السنن عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر فأتى النبي ﷺ يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمر به؟، قال:«إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها»، فتصدق بها عمر: أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول»، وروى الترمذي وحسنه والنسائي وعلقه البخاري (٢٧٧٨) عن عثمان ﵁ أن النبي ﷺ قدم المدينة وليس فيها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: من يشتري بئر رومة فيجعل فيه دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟، فاشتريتها من صلب مالي»، ومثل هذا حديث أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار