للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرهم بالصلاة والتفريق بينهم في المضاجع كما ورد في الحديث الذي رواه أبو داود (١) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله : «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع»، وقد تضمن الحديث أمرين:

أولهما: الصلاة، يؤمرون بها إذا بلغوا سبع سنين، فإذا مرت ثلاث سنوات من معاودة الأمر عليهم ولم يمتثلوا؛ ساغ ضربهم عليها ضربا غير مبرح، والتشديد عليهم فيها، فإن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي من أشق العبادات على النفس، لكونها تتكرر في اليوم مرات، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥)[البقرة: ٤٥]، وينبغي أن يكون المربي حازما مع التدرج والأناة وحسن السياسة، وقد قال رسول الله : «علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب» (٢)، فإذا شب الأولاد على الصلاة منذ الصغر لا تثقل عليهم إذا كبروا، فلهذا أرشد الشارع إلى التبكير بإلزامهم بها حتى يرتاضوا عليها ويألفوها، وقال الله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: ١٣٢]، وأخبر عيسى في المهد أن الله تعالى أوصاه بها: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣١]، ووصف الله نبيه إسماعيل بقوله: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ [مريم: ٥٥].

وثانيهما: وقايتهم مما يفسد أخلاقهم بتنبيه غرائزهم قبل وقتها المعتاد، ومن ذلك أن لا يترك أحدهم يفضي إلى غيره في الفراش الواحد، وقد كثر في هذا العصر ما يفوت هذه الصيانة للأولاد بانتشار العري والاختلاط وفشو التصوير أجهزة التلفاز التي لا يكاد يخلو منها بيت، وجاء ما هو أشد من ذلك وأنكى وهو الهواتف التي تستقبل ما يجول في الفضاء مما يرسل ويذاع فيدخلها كل شيء من غير استئذان رغب المستقبل أو كره، وينفرد المرء باستعمالها في أي موضع كان، ومن العسير منع الأولاد منها لأن كثيرا من المصالح مرتبطة بها، فإن لم يعرفوها تعطلت مصالحهم وصاروا كالأميين في عالمهم هذا، والمنتظر أن يزداد هذا الأمر إيغالا وانتشارا، فلم يبق من سبيل إلا تحصين الفرد من الداخل بعقيدته


(١) أبو داود (٤٩٥).
(٢) رواه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» والبزار كما في الزوائد وهو في «الصحيحة» (١٤٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>