لها، فمعنى يحرم الحلال ويحلل الحرام أي في زعم المتصالحين بناء على شروط الصلح.
وإذا وقع الصلح مستوفيا لشروطه كان لازما ولا يجوز نقضه ويملك المصالح ما صالح عليه إلا إذا اتهم بسرقته، وينقض إذا أقر الظالم ببطلان دعواه، أو شهدت بينة للمظلوم بعد الصلح لا علم له بها على ما تقدم في الفقرة السادسة.
واعلم أن الإصلاح بين الناس في هذا الزمان قد ازدادت أهميته الشرعية عما كان عليه حين كان الحكام قائمين على تطبيق أحكام الله بين الناس، فهو اليوم مندرج في التقليل من الحكم بغير ما أنزل الله، بل هو من وسائل استعادة هذا الحكم لو أولاه أهل العلم عنايتهم، واستغلوا ما هو متاح لهم من الوسائل، بل يتجه القول بان الصلح اليوم واجب على من قدر عليه، وواجب على المتخاصمين قبل ذلك، إذ يمتنع من حيث المبدأ لجوؤهم إلى المحاكم متى علموا أنها لا تحكم في الأمر المتنازع فيه بحكم الله تعالى، إلا إذا تعذر على المؤمن الوصول إلى حقه عن طريق الصلح، فيجوز له أخذ حقه المقرر شرعا لا الزيادة عليه، فهذا زيادة على ما في الصلح من المنافع والمصالح كالتخفيف عن المحاكم لو كانت شرعية وتجنيب الناس طول الفصل في المسائل التي يتقاضون فيها، وما في ذلك من اضطرارهم إلى توكيل من يدافع عنهم وما يلزم من صرف الأموال في ذلك، وقد كثرت الوسائط كالمحامين والمحضرين القضائيين ونفقات التقاضي وطول أمد الفصل في النزاعات، وهذا لو كان الحكم يجري بما أنزل الله، والصلح وإن كان بعض الدعاة وغيرهم يقومون به فرادى فإنه غير كاف، ولا مؤثر تأثير الصلح الذي تقوم عليه الهيآت، فينبغي إنشاؤها، ولا يسع المقام ذكر هذه الفروق، وقد ذكرت شيئا من هذا في كتاب عن الحزبية في ص (٤٧) إلى (٥٠).
فإن قلتَ: إن العلماء قد اختلفوا في لزوم التحكيم كما قال الشافعي ﵁: التحكيم جائز غير لازم، قال لأنه لا يقدم آحادُ الناس الولاةَ والحكامَ، ولا يأخذ آحاد الناس الولاية من أيديهم»، انتهى، وخالفه مالك ﵀ فقال:«إذا حكَّمَ رَجُلٌ رَجُلاً فَحُكْمُهُ مَاضٍ، وإذا رُفِع إلى قاض أمضاه إلا أن يكون جَوْرًا بَيِّنًا»، انتهى، وانظر أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٦٢٢)، فالجواب: أن كلام العلماء ينبغي أن ينزل منزلته، وأن ينظر إليه في محيطه، وما