والصواب والله أعلم: تخصيص يوم الجمعة بجواز الصلاة في ذلك الوقت المنهي عن الصلاة فيه دون غيره من الأيام، لما ذكر من الأثر، ولأنه داخل في عموم ما علقت عليه مغفرة الذنوب في الحديث الذي رواه البخاري (٨٨٣) عن سلمان ﵁ مرفوعا، وفيه:«،،، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛ إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى».
واعلم أن تحية المسجد في الأوقات المنهي عن الصلاة تعارض فيها دليلان بينهما عموم وخصوص وجهيان: أحدهما أمر الداخل إلى المسجد بصلاة ركعتين، فهذا عام في الأوقات خاص بتحية المسجد، والثاني النهي عن الصلاة في تلك الأوقات، وهذا عام في الصلاة، فيشمل تحية المسجد وغيرها، خاص بتلك الأوقات، وليس تخصيص أحد العمومين بالآخر أولى من العكس، بل إن تخصيص عام كل منهما بالآخر هو المطلوب، لكن تطبيقه هنا يفضي إلى استحكام التعارض، بيد أن عموم الثاني أعني الناهي عن الصلاة ضعيف لتوارد عمومات عليه مخالفة له، وهي أنص منه وأخص كقوله ﷺ:«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك»، وحديث بلال في صلاة ركعتين بعد الوضوء، وحديث النهي عن منع من أراد الطواف بالبيت ساعة من ليل أو نهار، والطواف مصحوب بالصلاة، أما العموم الأول أعني أمر الداخل إلى المسجد بصلاة ركعتين؛ فمحفوظ، والعموم المحفوظ يقدم على العموم المخصوص لضعفه بالتخصيص، ولما كانت تحية المسجد مسببة وكذلك ركعتا الوضوء وركعتا الطواف؛ أمكن القول بأن يقاس عليها كل صلاة ذات سبب، فتكون مستثناة من النهي، مع أن الحكمة التي ذهب إليها بعض العلماء من تحية المسجد وهي التفريق بينه وبين البيوت الأخرى يُحتاج إليها في كل وقت، والله أعلم.
ومن لم يصل الفجر في بيته ثم جاء إلى المسجد؛ كفته ركعتا الفجر عن تحية المسجد، لحصول شغل البقعة بهما على المشهور، وقال ابن عبد السلام يركعهما، ثم يصلي ركعتي الفجر، معللا ذلك بأن العبادة الواحدة لا تقوم مقام اثنتين، أما من ركعهما في بيته؛ فقيل يصلي تحية المسجد، وقيل لا يصليها، وجه الأول أنه مأمور بذلك كما مر في حديث أبي قتادة، وهو لم يصل الصبح بعد، ووجه الثاني أن المستثنى من النهي عن الصلاة