قال يحي: وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة، فقال: لا بأس بالدعاء فيها».
وقوله:«وتعتقد الخضوع بذلك بركوعك وسجودك».
هذا ما ينبغي أن يكون عليه المصلي في كل حركاته وسكناته في صلاته، من حضور القلب، وخشوع الجوارح، واستحضار عظمة الله الذي يقف بين يديه ويناجيه، فيخضع له، ويذل، ويعتقد أنه متعبد بهذه الصور والكيفيات، وليست مجرد أشكال يأتيها، فإنه ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها، وهو قول لبعض الصحابة، وروى أحمد وأبو داود (٧٩٦) عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها»، والانتهاء إلى النصف يشير إلى أن معظم الناس لا ينتفعون بصلاتهم كما ينبغي، ومن ثم لا يترتب عليها أثرها الكامل، ومنه ما أخبر الله تعالى به في قوله: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (٤٥)﴾ [العنكبوت: ٤٥]، وإنما تقام الصلاة لذكر الله، والذكر ضد النسيان، فمن ذكر الله تعالى بقراءة القرآن وبالتسبيح والتحميد وغير ذلك، وكان قلبه غافلا غائبا فإن حصيلة صلاته ضئيلة، فإن الله تعالى إنما امتدح الخاشعين في الصلاة وأثبت لهم الفلاح، فمن لم يخشع فيها؛ فليس ممن أثبت لهم ذلك، قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)﴾ [المؤمنون: ١ - ٢]، وقد روى أبو داود (١٢٩٦) عن عبد المطلب عن النبي ﷺ قال: «الصلاة مثنى مثنى، أن تشهد في كل ركعتين، وأن تباءس وتمسكن، وتقنع يديك وتقول: اللهم، اللهم، فمن لم يفعل فهي خداج»، ورواه الترمذي (٣٨٥) بنحوه عن الفضل بن عباس، وفيه:«وتخشع، وتضرع، وتمسكن»، وهو حديث ضعيف، والتبؤس إظهار البؤس والفاقة، والتمسكن إظهار السكون، أو المسكنة، وكذلك تخشع، وتضرع، والخشوع تذلل الباطن، والخضوع تذلل الظاهر، والتضرع الإلحاح في السؤال والدعاء، وفيه تكلف هذه الأشياء حتى تحصل للمرء.
وقد اختلف العلماء في صحة الصلاة إذا خلت من الخشوع، فذهب فريق إلى بطلانها، وعدم إجزائها، وقال آخرون بصحتها في الظاهر مع أنه لا يعتد في الثواب إلا بما