رسول الله ﷺ ذات يوم فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له، فقال:«وما تراهم قد قدموا»؟، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود (١٤٤٣)«أنه ﷺ قنت شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سليم على رعل وذكوان وعصية، ويؤمن من خلفه»، ومن ذلك ما ورد عن أنس أن النبي ﷺ قنت شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه»، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية منه لأحمد والدارقطني (صفة القنوت ومواضعه: ١٠) زيادة: «وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا»، وهذا الاستثناء لو صح يدل على القنوت الذي ذهب إليه الإمامان مالك والشافعي، لأنه لا يصح أن يكون القنوت الذي أثبته في الصبح بمعنى طول القيام، وهو مخالف للقنوت الذي أخبر أنه تركه بعد شهر؛ إلا على بعد، لكن في سنده أبو جعفر الرازي، وقد وثقه قوم، ووصفه آخرون بالغلط والخطإ والخلط وسوء الحفظ، ومن أدلة قنوت النوازل وهي أقوى مما تقدم في النفي قول أنس:«كان رسول الله ﷺ لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على آخرين»، رواه ابن خزيمة وصححه كما قال الحافظ في بلوغ المرام.
ومع ما تقدم من كون مذهب مالك مشهوره القنوت في الصبح؛ فإني أميل إلى أن مذهبه الذي مات عليه ترك القنوت فيه، فيكون هو الذي رجع إليه بعد القول بسنيته تارة، وبفضيلته تارة أخرى، كما تقدم، والدليل على ذلك أنه ترجم في موطإه بقوله:(القنوت في الصبح) ثم روى تحت الترجمة «عن نافع أن عبد الله ابن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلاة».
قلت: بل روي عنه أنه قال بدعة، وأستبعد أن لا يكون مالك قد اطلع على النصوص المتعلقة بهذا الأمر مما ينفيه أو يثبته كما تقدمت الإشارة إليه، ولا سيما النقل عن الخلفاء الراشدين وهم بالمدينة، وسبب عدم إيراده شيئا منها أنها لما تعارضت عنده ظاهرا كما قد علمت أثبت أثر ابن عمر كما يفعل كثيرا في مثل هذه المواضع، مع ما عرف عن ابن عمر من شدة تمسكه بالسنة، فيكون هذا مذهبه الذي انتهى إليه، وموطِأه مقدم على غيره لكونه