للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦٤)[النمل: ٥٩ - ٦٤]

وفيه دليل على أن توحيد الربوبية لا يخرج المرء من دائرة الكفران، إلى دائرة الإيمان، الذي ينجي صاحبه من الخلود في النيران، فكيف إذا كان هذا التوحيد غير متكامل كما كان عليه العرب؟، فلا ينبغي أن يوصفوا بأنهم موحدون توحيد الربوبية، كما يردده كثير من الناس، بل بعض الدعاة، نعم كانوا يقرون بأن الله تعالى هو الخالق كما قال الله تعالى عنهم: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧)[الزخرف: ٨٧]، لكن مفردات توحيد الربوبية ليست الخلق وحده كما لا يخفى.

وبهذا يتبين أن الذين شنعوا على من قسم التوحيد هذه الأقسام لم يصيبوا الحق، لأن الغرض منه رفع هذا اللبس الذي عليه كثير من الناس في زماننا وفيما قبله، فإن الناس مطبقون على أن الله هو الرب الخالق إلا من شذ، ومع ذلك فإن أكثرهم كافرون، لأنهم لم يوحدوه، فإذا ثبت هذا فيقال إن هذا الرب المعبود وحده ها هي ذي صفاته وأسماؤه، فلا شريك له فيها، وإن وقعت الشركة في الألفاظ، كما أنه لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته، والحق يقبل من أي كان موافقا كان أو مخالفا، ومن الحق الذي يقبل أن العقائذ لا ينبغي أن يكثر فيها الكلام.

وقوله: «ولا شبيه له ولا نظير»، لعله رجع في هذا إلى قوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، وهي أجمع آية في النفي والإثبات، النفي المجمل، والإثبات المفصل، أولها رد على المشبهة، وآخرها رد على المؤولة، فإن التنزيه لا ينافى الإثبات.

ومثل هذه الآية قوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥]، قال علي بن أبي طلحة

<<  <  ج: ص:  >  >>