وقد ثبت الأمران مرفوعين، ويؤخذ منه أمور قيلت بمحضر الصحابة وأقروها، منها إخبار عمر باستسقائهم بدعاء النبي ﷺ إبان حياته، فهو مرفوع في هذا القدر، وفيه استسقاؤهم بأهل الخير والصلاح، ويتضح منه أيضا أن المراد بتوسلهم بالنبي ﷺ توسلهم بدعائه، لا بذاته بأبي هو وأمي، وقد جاء في بعض الروايات ما يوهم خلاف المراد، وإلا فلو كان التوسل بذاته؛ لتوسلوا به بعد وفاته كما كانوا يفعلون في حياته، يدل عليه أن عمر ﵁ ربط انتقالهم للاستسقاء بالعباس بعدم تمكنهم من الاستسقاء بالنبي ﷺ لوفاته كما هو واضح.
ومن الأدلة على الاستسقاء بالدعاء والاستغفار فحسب؛ ما رواه سعيد ابن منصور أن عمر بن الخطاب ﵁ خرج يستسقي، فلم يزد على الاستغفار، فقالوا:«ما رأيناك استسقيت»، فقال:«لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء»، ثم قرأ قوله تعالى من سورة نوح: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١)﴾ [نوح: ١٠ - ١١]، والمجاديح جمع مجدح وهو عود مجنح تساط به الأشربة، أي تخلط، ومعنى قول عمر أني طلبت الغيث بأقوى أسبابه وهو الاستغفار، وقولهم ما رأيناك استسقيت؛ يدل على أن الدعاء وحده كان عندهم إحدى كيفيات الاستسقاء.
ويستسقى أيضا في خطبة الجمعة، وفي أدبار الصلوات، وغير ذلك، قال الشافعي ﵀:«يستسقي الإمام بغير صلاة مثل أن يستسقي بصلاة»، وقال ابن حزم ﵀:«إن قحط الناس، أو اشتد المطر حتى يؤذي الناس فليدع المسلمون في أدبار صلواتهم وسجودهم وعلى كل حال، ويدعو الإمام في خطبة الجمعة».
ومن الأدلة على الدعاء في خطبة الجمعة ما رواه البخاري (١٠١٤ عن أنس بن مالك ﵁، أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول ﷺ قائم يخطب، فاستقبل رسول الله ﷺ قائما، ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع رسول الله ﷺ يديه، ثم قال:«اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا»،،، الحديث.
وهل يستسقي المحتاجون المجدبون وحدهم، أو يشرع لغير المحتاجين وهم المخصبون أن يستسقوا لغيرهم؟، فيه نزاع بين العلماء، منهم من رأى أنه لا يستسقي غير