نصوص الكتاب والسنة ومن تأريخ أسلافنا أن قوة المسلم بإيمانه عظيمة، وأن القوة المادية مهما كانت؛ فإن الغلبة ليست حليفها دائما، لكننا نرى أن المطلوب منا التزام أحكام ربنا في تعاملنا مع عدونا، فإن الله تعالى لم يكلفنا مقاتلته حيث لا قدرة لنا، ولا جعل علة مقاتلته إثبات شجاعتنا، كيف نقاتله لمجرد أن نثبت أننا قادرون على الصمود، فنتسبب في تدمير بلدنا، حتى إذا فرغ العدو من تخريبه انعقد مؤتمر سموه مؤتمر الدول المانحة يلتقي فيه الذي شارك في القتل والتدمير بالفعل أو بالتأييد العلني أو الخفي على بناء ما دمر، وقد كان قادرا على إيقاف ذلك التدمير بكلمة واحدة، ثم تسمع الذي قاتل بالأمس يطالب تلك الدول الكافرة العدوة أن تبني البلد المدمر من غير أن تسيس عملية البناء!، أو يطالب عدوه بفتح المعابر وفك الحصار، ما ذا لو هادناه من أول مرة وسكتنا عليه فترة، ولنا في رسول الله أسوة، فاتهموا الرأي أيها المؤمنون، كما قال سلفكم المرحومون
وقد مرت هذه الفريضة بمراحل قبل أن تستقر على الحكم النهائي الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين، وهو وجوب الجهاد على الكفاية إلى يوم القيامة، وأحسب أن تلك المراحل لا مانع من العمل على وفقها كلما تحقق المناط، وخلاصة القول فيما مرت به؛ أن المؤمنين كانوا ممنوعين من القتال في مكة المكرمة، رحمة من الله بهم، بأن جنبهم الاستئصال، يشير إلى ذلك قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ (٧٧)﴾ [النساء: ٧٧]، فهذا دليل على أنهم مأمورون بالإمساك عن القتال، ونظيره قول الله تعالى عن أمة تقدمتهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦)﴾ [البقرة: ٢٤٦].
فلما اشتد ساعدهم، وكثر ناصرهم؛ أذن لهم في الجهاد بقوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)﴾ [الحج: ٣٩]، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنها أول آية شرع بها الجهاد، بعد أن أوذي المسلمون في مكة، واضطروا إلى الخروج منها فرارا بدينهم، كما يؤخذ من السياق الذي وردت فيه، ونفس المعنى جاء في