ويحض على الصدقة، وفي هذا الاقتران دليل على أن حجب الحقوق المالية عن أصحابها، وارتفاع التراحم بين أفراد المجتمع من أسباب انتشار الربا، ويؤكد هذا الاقتران أن الربا المتحدث عنه في القرآن هو ربا الديون، لأنه هو الذي يصلح أن تكون الصدقة والإنظار بديلين عنه، وكان الربا مما خصه النبي ﷺ بالذكر في حجة الوداع، فقال:«،،، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا: ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله،،،»، رواه مسلم (١٢١٨) من حديث جابر ﵁، ومعنى موضوع باطل مردود، وكأن في قول النبي ﷺ:«وربا الجاهلية،،،»، إشارة أن ربا آخر لم يكونوا يعرفونه جاء الشرع بالمنع منه وهو ربا الفضل وربا النساء في الربويات، وذلك من جملة الإصلاح المالي الذي اعتمده هذا الدين الخاتم للحفاظ على أثمان الأشياء، وأقوات الناس كما سترى.
وصورة ربا الجاهلية التي ذكرها المؤلف يشرحها ما رواه مالك في الموطإ (١٣٦٧) عن زيد بن أسلم أنه قال: «كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل، فإذا حل الأجل قال: أتقضي أم تربي؟، فإن قضى أخذ، وإلا زاده في حقه وأخر عنه الأجل»، انتهى، وقال الثعلبي كان أهل الجاهلية إذا حل مال أحدهم على غريمه فطالبه يقول: «زدني في الأجل وأزيدك في مالك فيفعلان ذلك، ويقولان سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح، أو عند محل المال لأجل التأخير، فأكذبهم الله فقال: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾، وهو في كتاب العجاب في بيان الأسباب (١/ ٦٣٧) للحافظ ابن حجر، ولا فرق بين هذه الصورة وبين أن يقرضه من أول الأمر على الزيادة في الدَّيْنِ عند رده، وقد اعتبر مالك مثل هذا في التحريم ما إذا كان لرجل على آخر دين فحط عنه بعض الدين على أن يعجل له باقيه، قال مالك فهذا الربا بعينه لا شك فيه، وسيأتي الكلام عليه، وكما تحرم الزيادة في القدر، تحرم الزيادة في الصفة شرطا، مثال الأولى أن يقرضه (١٠٠٠) دينار فيرد له (١١٠٠)، ومثال الثاني أن يقرضه قنطار قمح لين على أن يرد له قنطار قمح صلب، أو يسلفه قنطار شعير على أن يرد له قنطار قمح، ويدخل في ذلك ما إذا اتفق معه قبل أن ينقضي الأجل على أن يؤخره أجلا ثانيا على أن يدفع له رهنا أو يأتيه بحميل، أي كفيل، لأنه يدخل في السلف الذي جر نفعا، أما إن انقضى الأجل وطلب منه أجلا آخر فاشترط