البخاري استقبال الإمام عن ابن عمر وأنس، وروى عن أبي سعيد الخدري قال: إن النبي ﷺ جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله»، وعن ابن وهب كما في المدونة:(١/ ٣٩) قال مالك: «السنة أن يستقبل الناس الإمام يوم الجمعة وهو يتكلم»، وفيها آثار أخرى عن بعض السلف يستقبلون الإمام وقت خطبته، وهو أمر يتهاون فيه معظم الناس عندنا، وتظهر الشناعة إذا كان الصف طويلا فيبدو المرء وكأنه يولي الإمام جنبه، وبعضهم يوليه ظهره، وبعضهم يتكئ على الجدار، فيستقبل كتف الإمام لا وجهه.
ومن المسائل التي تذكر هنا: تحية المسجد والإمام يخطب فإنها لا تجوز في المذهب، وقد تأولوا حديث سليك الغطفاني واعتبروه واقعة عين، ثم التمسوا لذلك عللا لا تسلم من مطعن، وأقرب ذلك أنه أمره بالصلاة، وكيف يأمره بما منعه؟ ولو سلمت فإن قوله ﷺ:«إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب؛ فليصل ركعتين وليتجوز فيهما»، رواه الشيخان وغيرهما؛ غير قابل لشيء من تلك التأويلات، نعم يمكن أن يقال بوجود التعارض بينه وبين النهي عن أن يقول المرء لصاحبه أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة، والأمر بالإنصات نهي عن منكر، فيكون فعل المعروف أولى أن يترك، والجواب أن في قول المرء لصاحبه أنصت تهييجا له، وقد يرد عليه، فترتفع الأصوات، فقطع الشارع دابر ذلك، وأغلق الباب دون احتمال كثرة الكلام، أما الصلاة فلا كلام فيها ولا جهر، فكل منهما في وجهة، على أن لمالك قولا بصلاة هاتين الركعتين كما رواه عنه محمد بن الحسن ذكره عبد الله بن عبد العزبز بن بزيزة في شرحه (١/ ٣٨٢) على التلقين للقاضي عبد الوهاب.
ومنها تسليم الإمام بعد صعوده على المنبر، فقد عده بعضهم من المكروهات، وقد أشار خليل إلى موضع استحباب تسليم الإمام، وهو بصدد ذكر مستحبات الجمعة:«وسلام خطيب لخروجه، لا صعوده»، ولعل ذلك مأخوذ من قول ابن القاسم في المدونة:«سألت مالكا إذا صعد الإمام يوم الجمعة على المنبر هل يسلم على الناس؟، قال: لا، وأنكر ذلك»، ووجهه أن سلامه حين الدخول مغن عن إعادته على المنبر، لكن روى ابن ماجة (١١٠٩)، والبغوي في شرح السنة (١٠٦٩) عن جابر قال: «كان النبي ﷺ كان إذا صعد المنبر سلم»، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، لكن له شواهد مسندة، ومرسلة، فانظرها