غرض الشرع من الوقف تكثير الأملاك العامة التي لا ترجع ملكيتها لأحد بعينه، لأن الطباع تتقاضى الملكية الفردية وتحرص عليها، فمن ثم كان المطلوب استمرار ما حبس حتى تمتد منفعته، وبهذا يتبين أن صيانة الأحباس واجبة كي يستمر نفعها فينبغي أن ينفق من غلتها على إصلاحها، بل هو مقدم على الإنفاق على مصرفها متى وهى بناؤها لأن المنفعة متوقفة على وجود العين، فإذا خربت أو اندثرت فقد فات المراد منها، أما إن خربت وتيسر تجديدها بنفقات المحسنين أو أوقاف أخرى ساغ ذلك فيما يظهر، بل تعين، فإن خرب الوقف بحيث صار لا ينتفع به فظاهر كلام المؤلف أنه لا يجوز بيعه، ولا بيع أنقاضه لأنه مخالفة لشرط واقفه وتبديل لمقصده، وقد قيل إن مالكا منع بيعه ولو لم ترج عودة منفعته، وأجازه ابن القاسم، ولعل منع مالك من ذلك من باب سد الذرائع وهو من أصوله التي قوي اعتماده عليها فخشي أن تقوى دعاوى عدم صلاح الوقف وادعاء خرابه فتنقطع أوقاف المسلمين، ويتسلط عليها النظار الظالمون، وقد احتجوا على ما ذهبوا إليه ببقاء أحباس السلف إلى وقتهم، وقال سحنون:«هذه جل الأحباس قد خربت فلا شيء أدل على سنتها منها، ألا ترى أنه لو كان البيع يجوز فيها ما أغفله من مضى، ولكن بقاءه خرابا دليل على أن بيعه غير مستقيم، وبحسبك حجة في أمر قد كان متقادما أن تأخذ منه ما جرى الأمر عليه،،،»، انتهى، ومعهم العموم الذي في حديث ابن عمر الصحيح وقد تقدم:«لا يباع ولا يوهب ولا يورث»، وهذا الذي في المدونة من اتباع السلف واقتفاء آثارهم في مثل هذا الأمر من أعظم الأدلة على ما كان عليه علماء الأمة من الحرص على الاتباع والتخوف من المخالفة والإحداث في الدين ولو تبينت المصالح في خلاف ذلك في بادئ الرأي، وإن كان مجرد ترك السلف للأحباس من غير انتفاع بها ليس حجة على عدم جواز بيعها لما قد يكون وراء ذلك من الأسباب التي نجهلها، ولأن ترك المال يضيع غير