للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خليل في التوضيح، ولذلك لم يتعرض لتعريفه في مختصره، بل ابتدأ بذكر أركانه، وخاض معظم متأخري الفقهاء في تعريفه، فقيل: «دفع عوض في عوض»، وهذا يتناول البيع المشروع وغيره، وقد اختلف في تسمية الفاسد بيعا، وتصرفات الفقهاء تدل على إطلاقهم ذلك عليه، ولأن الأحاديث جاءت بالنهي عن بيوع معينة، ويقال في البيع المشروع: «نقل الملك بعوض بوجه جائز»، وهو غير مانع عند أهل المذهب، فإن للبيع عندهم إطلاقين أعم وأخص، وتعريفه الأعم عند ابن عرفة هو: «عقد معاوضة على غير منافع ولا منفعة لذة»، فقوله معاوضة، أي مشتمل على معاوضة من الجانبين، فخرج العقد الذي لا معاوضة فيه من أحدهما كالهبة والصدقة، وخرج بقوله غير منافع … ، الخ، الكراء والإجارة والنكاح، ودخلت هبة الثواب والصرف والمراطلة والسلم، ويظهر أن لا حاجة لقيد منفعة لذة، فأين النكاح من الإجارة؟، هذا مما يستبشع.

أما تعريفه الأخص فيزاد فيه على ما تقدم: «ذو مكايسة، أحد عوضيه ليس ذهبا ولا فضة، معينٌ غير العين فيه»، فخرج بقوله ذو مكايسة هبة الثواب لأنها ليس فيها مشاحة، فإنه متى أعطاه المقابل تعين أخذه، والمراد أن شأن البيع المراجعة: يطلب هذا الزيادة، ويطلب الآخر النقص، فلا يضر تخلف المكايسة في بعض أفراد البيع كما سيذكر بعد، والمكايسة هذه وهي مشروعة لا تعني المضاجرة بكثرة المراجعة وطلب خفض الثمن من المشتري، والتغالي فيه من جهة البائع، فإن السماحة مطلوبة في البيع وغيره، قال رسول الله : «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، رواه البخاري (٢٠٧٦) عن جابر ، ورواه مالك (١٣٨٢) عن يحي بن سعيد أنه سمع محمد بن المنكدر يقول فذكر نحوه، والسمح السهل، ومعنى اقتضى، طلب قضاء حقه، وخرج بقوله أحد عوضيه ليس ذهبا ولا فضة الصرف والمراطلة والمبادلة، فإنها بيع لكن لها أحكام مختصة، وستذكر بعد، وخرج بقوله معين غير العين فيه بيع السلم فإن غير العين فيه وهو العرض ليس معينا، بل يكون في الذمة.

فإن قيل: بيع الغائب داخل في التعريف، لأنه غير معين، فالجواب: أنه معين موصوف، وليس كذلك بيع السلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>