٣٠ - «والصلح جائز إلا ما جر إلى حرام، ويجوز على الإقرار والإنكار».
بعد أن ذكر ما يقضى به من الشهادة بأنواعها، واليمين ابتداء وردا ذكر هنا الصلح لأن الأصل القضاء، والصلح استثناء حيث كان القضاء شرعيا، أما إن كان القضاء ليس كذلك فإن الصلح هو الأصل.
وكلامه هو معنى حديث رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي هريرة ﵁ ولفظه:«الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا»، وهو في الترمذي نحوه من حديث عمرو بن عوف.
والصلح في اللغة قطع المنازعة بين المتخاصمين، حض الله عليه بقوله: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤)﴾، وقال تعالى:، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ (١)﴾ [الأنفال: ١] وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)﴾ [الحُجُرات: ١٠]، وحكمه عند جمهور العلماء الاستحباب، وهو المراد بقول المؤلف جائز، وكثيرا ما يكون الصلح خيرا من الحكم لأنه يؤدي إلى قطع النزاع ظاهرا وباطنا، بخلاف الحكم فإنه على الظاهر، وقد يكون المحكوم عليه غير مستحق لما حكم له به كما قال النبي ﷺ:«إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فَأَقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذن منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار»، رواه مالك أول كتاب الأقضية، وهو في الصحيحين عن أم سلمة.
وقد كتب عمر لأبي موسى:«رد الخصوم حتى يصطلحوا فإنَّ فَصْلَ القضاء يُحْدِثُ بين القوم الضغائن»، رواه البيهقي، وانظر تفسير القرطبي (٥/ ٣٨٤)، وفي الحديث:«ألا أدلك على صدقة يحب الله موضعها؟ تصلح بين الناس فإنها صدقة يحب الله موضعها»،