٤ - «ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والارض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم».
المعنى أن أحدا لا يمكنه معرفة شيء من العلم إلا ما شاء الله أن يعلمه إياه، ويمكن أن يكون المراد أن الخلق لا يعرفون شيئا عن ذات مولانا وصفاته إلا ما علمهم إياه في كتبه وعلى ألسنة رسله، فإن هذا هو السبيل الوحيد إلى تلك المعرفة، فيكون استدلالا على ما في الفقرة المتقدمة، أما التأمل في خلقه وهو مطلوب كما تقدم فإنما يدل على وجوده وربوبيته، واستحقاقه عبادة خلقه له، لكن لا يؤخذ من ذلك تفاصيل صفاته، وأفعاله، وأحكامه، ومراضيه، ومساخطه، فهذا هو الفرق بين الانتفاع بالآيات الكونية، والآيات المتلوة المنزلة، وكون الواحد من الناس متعمقا في علم من العلوم الكونية لا يعني ذلك أنه يعرف الله المعرفة الحقة، بل الغالب أن لا يوحد الله أصلا وواقع علماء الدنيا الكفار شاهد على هذا، قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)﴾ [الفرقان: ٤٤] قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]، وهم إذا ذكروا في الكتاب أو السنة فالمراد بهم العلماء بالله وبشرعه، فإذا انضم إلى علمهم هذا علمهم بخلقه فهذا خير، وسياق آية فاطر يشير إلى هذا النوع من العلماء.
قال ابن كثير ﵀: «أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا ما أعلمه الله ﷿ وأطلعه عليه، ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا ما أطلعهم عليه، كقوله ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠].