٠٣ - «والكحل للتداوي للرجال جائز، وهو من زينة النساء».
قصر اكتحال الرجال على التداوي واعتبار الكحل من زينة النساء فيحرم لكونه تشبها بهن؛ لا يسلم لقائله، فإنه تقييد لفعل النبي ﷺ ولقوله بما لم يدل عليه دليل، فالظاهر أن الاكتحال من الزينة التي يشترك فيها الرجال والنساء، فمن اكتحل فلا حرج عليه، فإن خشي أن يتهم فإنما يمسك عنه لهذا لا لكون ذلك ليس مشروعا، وما كل مباح يفعل، بل قد يترك المستحب أحيانا للمصلحة، وقد اكتحل النبي ﷺ وأمر أمته بالاكتحال، من ذلك قوله فيما رواه الترمذي وابن ماجة عن ابن عباس:«اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر»، وهذا لفظ الأول، ولابن ماجة: «خير أكحالكم الإثمد يجلو … الحديث، وجاءت هذه الفقرة من جملة حديث ابن عباس عند أبي داود، ولابن ماجة من حديث ابن عمر: عليكم بالإثمد … الحديث، وله من حديث جابر: «عليكم بالإثمد عند النوم … الحديث، وجاء في الاكتحال أنه مذهبة للقذى مصفاة للبصر، والإثمد بكسرالهمزة والثاء والميم المكسورة حجر أسود ترى فيه حمرة يباع اليوم بأرض الحجاز.
وقد دلت هذه الأحاديث بما فيها من التعليل للأمر بالاكتحال بأنه يحلو البصر، أي يصفيه، ويذهب القذى أي الرمص، وينبت الشعر، أي شعر الأجفان، ينتفي معه قصره على التداوي، ولو كان غالبا فيه، ومع هذا فقد جاء أنه ﷺ كان يكتحل.
ولمالك فيه روايتان، إحداهما المنع كما يؤخذ من تقييد المؤلف، والأخرى الجواز، وهو قول الشافعي، وذكر بعضهم أن المنع إنما يكون فيما إذا اكتحل الرجل بالإثمد، فأما إن اكتحل بغيره من الأنواع الأخرى فهو جائز مطلقا، ولعل هذا من قائله توزيع للروايتين على ذلك.