الاستعاذة طلب العوذ أي الحماية والحفظ، ولا يكون ذلك إلا من الله تعالى، فمعنى أعوذ بالله من كذا، أتحصن به، وأعتمد عليه في دفع شره، وكثيرا ما يكون في الشيء الخير والشر وهو غير معلوم للمرء، فيسأل الله خيره كما يسأله أن يجنبه شره، والخوف لا يكون إلا من الله تعالى، إذ لا يقع شيء إلا بمشيئته سبحانه، لكن أخذ الحيطة واتخاذ الأسباب لا ينافي ذلك، ولا يدل على أن الفاعل يخاف غير الله تعالى، مع اعتقاد أن الأسباب المشروع تحصيلها لا تعمل بنفسها مستقلة عن خالقها الآمر باتخاذها، فإذا علم المرء بشيء يؤذيه برؤيته إياه، أو بعلمه لأذاه اجتنبه، ولم يتعرض له، مع علمه أن الحذر لا ينجيه وحده، وإذا خشي منه الأذى وليس في استطاعته اتخاذ الأسباب الواقية المشروعة لجأ إلى الله في دفع ذلك عنه، بالاستعاذة به ودعائه، ولا يجوز له أن يلجأ إلى غيره في شيء من ذلك، وكثير من الأمور التي تعوذ منها النبي ﷺ المراد من الاستعاذة منها الحض على السعي في اجتنابها وتوقي ما يؤدي إليها.
وقد عُني النسائي في سننه أيما عناية بالاستعاذة فذكر لها خمسة وستين ترجمة، وجمع أبو داود في سننه من ذلك الطيب الكثير، ومن أجمع ما يستعاذ به سورتا المعوذتين أو المعوذات عموما، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلها.