(٢٥١٧)، وإنما أضافوا الحضور ودخول أرض العدو لأجله؛ لكون الجهاد أعم من مباشرة القتال، فيدخل فيه الحارس، ومتنطس الأخبار، والميار، والممد بالسلاح، ومعالج المرضى، وغيرهم، فالمقاتلة ليست شرطا، وعرف ابن العربي وزروق والفاكهاني الجهاد - ولعل بعضهم نقل عن بعض - فقالوا:«إن الجهاد هو المبالغة في إتعاب النفس في ذات الله تعالى، وإعلاء كلمته التي جعلها الله طريقا إلى جنته، وسبيلا إليها».
هذا هو الجهاد المحدود في الزمان وفي المكان، والذي يتوقف وجوبه على شروط ستذكر، أما الجهاد في عمومه فواسع جدا، وتفاوت الناس فيه عظيم، ووسائله كثيرة، وأعظمه مجاهدة النفس والهوى والشيطان، وهذا دائم في كل زمان ومكان، قال ﵊:«أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه»، رواه ابن النجار عن أبي ذر كما في صحيح الجامع، ومن لم يجاهد نفسه وهواه كيف يجاهد الكفار؟، ثم مجاهدة الناكبين عن الحق على اختلاف دركات تنكبهم عنه، بتغيير ما هم عليه من المخالفات، باليد واللسان والقلب حسب ما هو مشروع من ذلك ومستطاع، وذلك هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو خصيصة هذه الأمة، ومنه إنفاق المال لتحقيق ذلك، والجهاد باليد من الحكام والسلاطين بإقامة الحدود والتعازير، والأخذ على أيدي الظالمين، وأهل الدعارة والفجور، وجهاد العلماء بتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل، والوعظ والتذكير، وكشف الشبهات، ورد المطاعن، ولهذا المعنى أمر الله تعالى بالجهاد من غير قيد كما في قول الله سبحانه: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧٨]، جاء هذا بعد الأمر بالركوع والسجود وعبادة الله وفعل الخير، لأن شيئا من ذلك لا يكون إلا بمجاهدة النفس، وقد حذف مفعوله ليعم أنواع الجهاد، ولذلك قال الحسن:«إن الرجل ليجاهد في الله حق جهاده، وما ضرب بسيف»!!، وقال ابن جريج في تفسيرها:«لا تخافوا في الله لومة لائم»، وقال السدي:«يطاع فلا يعصى»، ذكرها في الدر المنثور، وقال ابن المبارك:«هو مجاهدة النفس والهوى»، وهو في تفسير البغوي، ومثله قول الله تعالى في سورة الروم وهي مكية: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (٦٩)﴾ [العنكبوت: ٦٩] حذف مفعوله كسابقه، وقوله ﴿فِينَا﴾ أي من أجلنا ولطاعتنا، قال الفضيل ابن عياض: «الذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل