قال الحافظ نقلا عن غيره:«معنى الغلبة أنكم تسمونها اسما، وهم بسمونها اسما، فإن سميتموها بالاسم الذي يسمونها به وافقتموهم، وإذا وافق الخصم خصمه صار كأنه انقطع له، حتى غلبه»، وقال أيضا نقلا عن التوربيشتي: المعنى لا تطلقوا هذا الاسم على ما هو متداول بينهم، فيغلب مصطلحهم على الاسم الذي شرعته لكم»، وقد يستروح من قوله «لا تغلبنكم»؛ أن إطلاق ذلك عليها أحيانا لا حرج فيه، بدليل ما ورد من تسميتها كذلك، لكن ميلي قوي إلى أن النهي المتقدم لا يقوى على معارضته ما جاء في الحديث المتفق عليه من رواية أبي هريرة مرفوعا:«لو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا»، لأنا نقول إن هذا يحتمل تقدمه على النهي، ويحتمل تصرف الراوي فيه قبل علمه بالنهي، ويحتمل غير ذلك، والآخر نهي صريح فلا يعدل عنه، وكما ورد النهي عن تسميتها بالعتمة ورد النهي عن تسمية المغرب بالعشاء كما في صحيح البخاري (٥٦٣) من حديث عبد الله المزني مرفوعا: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، قال: وتقول الأعراب هي العشاء» وقال مالك: «وأحب إلي أن يقال في العتمة صلاة العشاء، لقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ﴾ [النور: ٥٨]، إلا أن تخاطب من لا يفهم عنك فذلك واسع»،
أما بداية وقت العشاء فغياب الشفق، وهذا متفق عليه بين الأمة، وقد تقدم دليله، ومن أدلته حديث النعمان بن بشير قال:«أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة: صلاة العشاء، كان رسول الله ﷺ يصليها لسقوط القمر لثالثة»، رواه أبوداود (٤١٩)، والترمذي (١٦٥)، والقمر يتأخر كل ليلة بنيف وثلاثين دقيقة، فيكون النبي ﷺ قد صلاها بعد الغروب بنحو الساعة وأربعين دقيقة، وهذا تقريب، لأن مقدار ذلك متوقف على مقدار عمر الهلال في الليلة الأولى، والله أعلم.
واختلف في المراد بالشفق فقيل الحمرة الباقية بعد الغروب هذا الذي عليه الجمهور، قال مالك في الموطإ (٢٢): «الشفق الحمرة التي في المغرب، فإذا ذهبت الحمرة؛ فقد وجبت صلاة العشاء، وخرجت من وقت المغرب»، وقيل الشفق البياض وعليه الأحناف، لكن ما قيل إن البياض لا يختفي إلا عند منتصف الليل فيه نظر، فإن الحمرة بعد الغروب ما تزال في نقصان حتى تنقضي، عكس الفجر فإن الضوء ما يزال يقوى