أما ابن العربي في (العارضة ٢/ ١٩٢) فبعد أن أثبت القنوت على النحو الذي يفعل في المذهب، وخير في موضعه قبل الركوع وبعده؛ قال:«ولكن ليس فيه دعاء خاص، فخذوا من دعاء النبي ﷺ ما ثبت، ولا تلزموا هذا الذي يرويه الناس، فإنما روي في قنوت الوتر ولم يصح».
ولنعتن الآن بذكر شيء من معاني هذا الدعاء، فقوله:«نستعينك»؛ نطلب منك العون، ولا يكون ذلك إلا من الله فيما لا تقوم أسبابه، و «نستغفرك»؛ نسألك مغفرة ذنوبنا، والمغفرة ستر الذنب، والمراد محوه، وعدم المؤاخذة به، و «نتوكل عليك»؛ نعتمد عليك، و «نخنع لك»؛ نذل غاية الذل، ونخضع غاية الخضوع، ومن ذل لله تعالى حقا، أطاعه، ففعل ما أمر به، وترك ما نهاه عنه، و «نخلع»؛ الخلع الإزالة والمفعول محذوف، أن نخلع المعاصي والمخالفات ونجتنبها، وأولاها بالاجتناب ما يمس التوحيد الذي هو الحق الأول لله على العبيد، و «ونترك من يكفرك»؛ أي نتبرأ منه، فلا نحب دينه، ولا يقوم بيننا وبينه ولاء، ولا نواده، ولا نتخذه بطانة من دون المؤمنين، وفي قوله:«إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد»؛ حصر، أي لا نفعل ذلك إلا لك، ثم أعلنوا أنهم يخصونه سبحانه بأهم العبادات وهي الصلاة، ثم ذكر أعظم ما في الصلاة، وهو السجود، وقوله:«نسعى»؛ السعي العمل بجد، والمعنى أننا نتجه بأعمالنا كلها جادين فيها إليك، فعم بعد أن خص، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢)﴾ [الأنعام: ١٦٢]، فإن الله تعالى إليه المنتهى، و «نحفد»؛ نسارع إليك، أي في عمل ما يرضيك، فلا نتوانى فيه، ولا نؤخره عن وقته، و «نرجو رحمتك»، بين دافعهم إلى ما تقدم ذكره، وهو رجاؤهم رحمته، وخوفهم عذابه، ومن عاش يرجو رحمة الله ويخاف عذابه أمنه الله تعالى يوم القيامة، وفيه رد على الذين يزعمون أنهم يعبدون الله غير خائفين من ناره، ولا راغبين في جنته، قال تعالى عن عباده الصالحين: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧)﴾ [الإسراء: ٥٧]، و «الجد»؛ صفة للعذاب، أي أنه لا مرية فيه، وهو جد لا هزل، واقع بمن