هذا هو حد الحرابة بكسر الحاء، والمحارب اسم فاعل من حارب، ومشهور المذهب أن الحرابة لا تختص بمن أخاف السبيل خارج الحواضر، بل العبرة بالطريقة التي يقترف بها المحارب جرمه، قال مالك ﵀:«المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو برية وكابرهم عن أنفسهم وأموالهم دون ثائرة ولا ذَحْل ولا عداوة»، انتهى، والثائرة ما يحصل بين الناس من الخلافات التي تُفْضِي إلى التقاتل، والذخل بالذال المعجمة المفتوحة والحاء المبهمة الساكنة هو الثأر، هذا هو المشهور في حد الحرابة، والرواية الثانية نفى فيها أن تكون الحرابة في المصر.
قال القاضي أبو بكر بن العربي:«كنت في أيام حكمي بين الناس إذا جاءني أحد بسارق وقد دخل الدار بسكين يحبسه على قلب صاحب الدار وهو نائم، وأصحابه يأخذون مال الرجل حكمت فيهم بحكم المحاربين، فافهموا هذا من أصل الدين، وارتفعوا إلى يفاع العلم عن حضيض الجاهلين»، انتهى، المراد باليفاع الأعلى، واليفاع أعلى الجبل، وقد ذكر خليل صورا للحرابة منها قطع الطريق لمجرد منع المرور، أو أخذ المال المعصوم من المسلم والذمي على وجه يتعذر معه الغوث، أو تغييب عقل الغير لأخذ ما معه، ومخادع الصبي وغيره ليأخذ ما معه، ومنه من يدخل زقاقا أو دارا يقاتل ليأخذ المال، وقد ذكر مؤلفنا أن المحارب متى ظُفر به أي قبض عليه قَبْلَ أن يتوب لا يجوز العفو عنه لأن حد الحرابة حق لله تعالى وهو دفع الفساد، وسيأتي حكم ما إذا تاب قبل أن يقدر عليه.