٨ - «وأما دفن الجماعة في قبر واحد؛ فيجعل أفضلهم مما يلي القبلة».
لما ذكر المصنف صفة وضع الجنائز إذا صلي عليها جميعا؛ بين صفة دفن أكثر من ميت في قبر واحد، للمناسبة التي بين الأمرين، ولم يذكر حكم هذا الجمع، فيقال إن الأصل أن يدفن كل ميت في قبر خاص به، فإن تعذر ذلك، أو كان فيه مشقة كبيرة؛ ساغ دفن أكثر من ميت في قبر واحد، والسنة في هذه الحال أن يجعل أفضلهم مما يلي القبلة، عكس ما تقدم في جمعهم في الصلاة، ودليل ذلك حديث هشام بن عامر قال:«شكونا إلى رسول الله ﷺ يوم أحد، فقلنا: يا رسول الله الحفر علينا لكل إنسان شديد، فقال رسول الله ﷺ: «احفروا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الإثنين والثلاثة في قبر»، فقلنا:«فمن نقدم يا رسول الله»، فقال:«قدموا أكثرهم قرآنا»، رواه الترمذي والنسائي، وهذا الحديث أصرح في أن مشروعية هذا الجمع مقيدة بحال التعذر أو العسر من حديث جابر المتقدم ذكره في ترك تغسيل الشهيد، وقد رواه ابن وهب كما في المدونة والبخاري والترمذي (١٠٣٦) والنسائي وابن ماجة عنه قال: «كان رسول الله ﷺ يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذا للقرآن، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم».
فإن قلت: قد يكون الفاضل غير الأكثر أخذا للقرآن، فالجواب: أن المدفونين في هذا الحديث سوت بينهم الشهادة في سبيل الله في ظاهر الأمر، فلم يعد من مرجح غير أكثرية الحفظ، فاعتمدها النبي ﷺ، أو يقال إن الأفضلية قد يختلف الناس فيها، فسلك فيها مسلك الإمامة، لأن الحفظ أمر ظاهر، فهو أقطع للنزاع، ونوط الترتيب على أكثر الحفظ يدلك على أن هذا الأمر كان لا يخفى عندهم، والله أعلم.
وقد جرت عادة كثير من الناس عندنا أن ينبشوا القبر ويدفنوا الميت مع آخر، إما لوصيته بذلك، أو لما يرونه من أن الدفن إلى جوار فلان أنفع ونحو هذا، وقد علمت أن