٣٢ - «وما كان مما ليس فيه ذكاة من طعامهم؛ فليس بحرام».
لما كانت الذبائح يؤثر في حلها وحرمتها أمور خارجة عن طبيعتها، فإن ذبحها يراد به التقرب إلى الله سبحانه، كما يراد به التقرب إلى غيره مما يشركه به المشركون، وقد لا يراد به غير استحلالها، لما كان الأمر كذلك؛ جاء في حلها ما علمت من الاشتراطات من القصد إلى الذبح، وذكر اسم الله، وإنهار الدم، وما يشترط في الذابح، أما الطعام من غير الذبائح؛ فهو على أصله من الحل، كيفما كان صاحبه كتابيا أو مجوسيا، ما لم يعرض له ما يجعله حراما، والطعام غير الذبائح على ضريبن: الأول ما لا صنعة فيه أصلا، كالبر والفاكهة، فهذا جائز باتفاق، وما تدخله الصنعة كخبز الدقيق وعصير الزيت، والأدوية ونحو ذلك؛ فهذا جائز ما لم يعلم أن فيه ما هو محرم، وهكذا أوانيهم متى علم عدم نجاستها بخمر أو خنزير، أما أجبان أهل الكتاب فقيل بتحريمها، عزاه أبو الحسن للمحققين، وشدد فيه خليل في التوضيح، والقياس يقضي بإباحتها، فإنها إن كانت مما يحل لنا أكله فحكمه قد علم، وهو ما قرره الشيخ علي الصعيدي في حاشيته على شرح الرسالة، فإن كانت مستوردة من بلاد غير أهل الكتاب، وكانت مصنوعة بإنفحة ذبائحهم؛ فإن القياس التحريم، وهو مذهب مالك.
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢١/ ١٠٣): «والأظهر أن جبنهم حلال، وأن إنفحة الميتة ولبنها طاهر، وذلك لأن الصحابة لما فتحوا العراق أكلوا من جبن المجوس، وهذا كان ظاهرا شائعا بينهم»، انتهى، وانظر آثارا كثيرة في ذلك في مصنف ابن أبي شيبة (٨/ ٢٠٦) وما بعدها، والإنفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة وجمعها أنافح - ومثلها المنفحة بكسر الميم - هي كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، وبهذا تعلم أن الخلاف إنما هو فيما صنع بالإنفحة، أما الآن فلا يدرى مما تصنع، وأغتنم المناسبة لأدعو القائمين