القراض بكسر القاف مشتق من القرض وهو القطع، لأن المرء يقطع شيئا من ماله لمن يعمل فيه بجزء من ربحه، وهذا اسمه عند أهل الحجاز، ويسميه أهل العراق المضاربة، وهي من الضرب في الأرض، وكان الواحد من العرب يسلم ماله إلى من يخرج به تاجرا إلى الشام أو غيرها، والتجارة في أصلها تعتمد على الجلب، قال الله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (٢٠)﴾ [المزَّمل: ٢٠]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ (١٠١)﴾ [النساء: ١٠١]، فأهل الحجاز نظروا فيه إلى رب المال، وأهل العراق نظروا إلى العامل.
ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض، وقد قال ابن حزم في المحلى (٨/ ٢٤٧): «وعمل به المسلمون عملا متيقنا لا خلاف فيه»، انتهى، وهو مما أقره الإسلام من معاملات الجاهلية، وقد روى مالك في الموطإ (١٣٨٥) عن زيد بن أسلم أنه قال: «خرج عبد الله وعبيد الله بنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قَفَلا مَرَّا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة، فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال هاهنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما، فقالا وددنا ذلك ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر بن الخطاب قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما»؟، قالا:«لا»، فقال عمر:«ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه»، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال:«ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه»، فقال عمر:«أدياه»، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله،