غيرها؟، قال:«لا، إلا أن تطوع»، فإنه يحتمل أن يكون المعنى إلا أن تدخل في تطوع، فيلتحق بالواجب بالشروع فيه، فيكون الاستثناء متصلا.
ومن الأدلة ما رواه مالك في الموطإ (٦٨١) من حديث عائشة عن حفصة أنها قالت يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين، فأهدي لنا طعام، فأفطرنا عليه، فقال رسول الله رسول الله ﷺ:«اقضيا مكانه يوما آخر»، وهو في سنن أبي داود (٢٤٥٧) والترمذي والنسائي، واختلف في وصله وإرساله، وهو ضعيف عند نقاد الحديث، لكن قال الحافظ في الفتح:«ورد من طرق كثيرة يتعذر معها الحكم بضعفه»، انتهى.
ولو ثبت وحمل القضاء فيه على الوجوب؛ لكان معارضا بما هو أقوى منه في الثبوت كما سيأتي، ومما احتجوا به على لزوم قضاء النفل بالشروع؛ ما صح من أن النبي ﷺ ترك الاعتكاف في إحدى المرات، ثم اعتكف عشرين يوما.
قالوا: هذا نفل لم يشرع فيه، ومع ذلك قضاه، فكيف بما شرع فيه منه؟، والجواب: أن النبي ﷺ كان إذا فعل شيئا أثبته، فلما فاته الاعتكاف، وكان ذلك عادته؛ قضاه، كما قضى راتبة الظهر بعد العصر حين شغله عنها وفد عبد قيس.
ومما يعارض ما سبق؛ قول النبي ﷺ لأم هانئ يوم الفتح حين أفطرت:«فلا يضرك إن كان تطوعا»، رواه أبو داود (٢٤٥٦)، والترمذي (٧٣١)، لكن جاء قوله لها:«إن كان قضاء من رمضان فاقضي يومًا مكانه، وإن كان تطوُّعًا فإن شِئت فاقضي، وإن شئتِ فلا تقضي» رواه أحمد والدارمي، ومنها قوله ﷺ:«الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر»، رواه أحمد والترمذي (٧٣٢) عن أم هانئ.
وورد ذلك من فعله أيضا كما رواه مسلم (١١٥٤) وأصحاب السنن (د/ ٢٤٥٥) عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله ﷺ ذات يوم فقال: هل عندكم من شيء؟، فقلنا: لا، فقال:«فإني إذن صائم، ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائما، فأكل»، الحيس بفتح الحاء وسكون الياء والسين المهملة يتخذ من السمن والأقط والتمر، فالصواب إن شاء الله: أنه يستحب قضاء صوم التطوع لمن أفطر عامدا، وهو استحباب مؤكد، وإلا فإن الاستحباب في الأصل قائم من غير قضاء.