٦١ - «ومن قال لزوجته أنت طالق ألبتة؛ فهي ثلاث، دخل بها، أو لم يدخل».
سبق القول أن الطلاق صريح وكناية، والكناية ظاهرة وخفية، وهذا أوان الكلام على الكناية الظاهرة، ولفظ البتة من البت، وهو القطع، فمن قال لزوجته أنت طالق البتة؛ فإن كانت مدخولا بها، وكان الطلاق ثالثا؛ فالأمر واضح، وإن كان هو الطلاق الأول؛ أو الثاني؛ فلا يصح أن يحكم بأنه رجعي، لتناقض ذلك مع قوله البتة، فإنها دالة على التحريم، والرجعي يملك فيه العصمة، فجعل ثلاثا لهذا، أما غير المدخول بها، فلما كانت الطلقة الواحدة تبينها؛ فقد اختلف فيها، والمشهور أن ذلك ثلاث، لأن هذا هو الذي يصدق عليه لفظ البتة، وقيل هي واحدة، لأنها لا تحل له إلا بعد عقد جديد، فوقع لفظ البتة موقعه، وهذا أولى.
ومما اعتمد عليه مالك في هذا الأمر ما رواه عن أبي بكر بن حزم أن عمر ابن عبد العزيز قال له:(البتة)، ما يقول الناس فيها؟، قال أبو بكر: فقلت له: كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة، فقال عمر بن عبد العزيز:«لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة شيئا»، كما روى عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة؛ أنها ثلاث تطليقات»، ثم قال:«وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك»، ومروان كان هو أمير المدينة في زمان الصحابة والتابعين، أما الاستدلال على ذلك بحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن امراة رفاعة القرظي جاءت إلى النبي ﷺ فقالت:«يا رسول الله إني كنت تحت رفاعة القرظي فطلقني البتة، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل الهدبة، وأخذت هُدبة من جلبابها فقال: «تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟، لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك»، كما هو في مسالك الدلالة؛ فلا ينهض، لأنه ليس نصا ولا ظاهرا في أن