اعلم أن هذه الصفات كلها صيغ مبالغة باستثناء المدبر، وكذا العالم على إحدى النسختين من نسخ الرسالة، والمؤلف لما ختم الفقرة السابقة بذكر اسمين من أسمائه سبحانه؛ ناسب أن يذكر بعضها، فذكر منها ستة، وقد وردت في القرآن كما ذكرها اثنين اثنين باستثناء المدبر، فقوله:«العالم الخبير»، جاء في بعض النسخ العليم وهو المناسب هنا لاقترانهما كذلك في القرآن، كما قال تعالى: ﴿قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [التحريم: ٣].
والعليم: صيغة مبالغة من العلم، ويقرن بالخبير من الخبرة وهي المعرفة ببواطن الأمور، وخبير بما تعملون عالم بأخبار أعمالكم، وقيل عالم ببواطن أموركم، قاله الراغب، فلعل وجه الجمع بينهما هو ما ألمح إليه الراغب، فيصرف كل وصف إلى معناه، بخلاف ما إذا انفردا كما في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المجادلة: ١٣]، وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)﴾ [آخر الأنفال]، فإن كلا منهما يشمل المعنيين، والله أعلم.
فإن قلت: قد جاء تعليق علم الله تعالى في بعض المواضع بالاختبار والتكليف، وهما حادثان، فكيف يلتقي هذا مع كون صفات مولانا أزلية؟، كما في قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠]، وقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ [التوبة: ١٦]، فالجواب: هو أن المراد أن الله تعالى لا يؤاخذ عباده بمجرد علمه بما هو كائن منهم وصادر عنهم، بل يثيبهم ويعاقبهم بصدور الأفعال عنهم، وإلا ما